الجزائر: جمود سياسى ولا بوادر للتغيير
تستعد الجزائر للانتخابات الرئاسية، حيث يعد - وقبل انطلاقها - الرئيس الحالي بوتفليقة المرشح الأوفر حظا فيها. أما على الصعيد السياسي، فيرى خبراء أن البلاد تعيش منذ سنوات حالة جمود، مستبعدين أن تلتحق بدول الثورات العربية.
مرة أخرى يترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية. ومن المتوقع أيضا أن يفوز بها مرة أخرى، كما يقول مراقبون للشأن السياسي الجزائري. ما يعني أن بوتفليقة، الذي وصل إلى الحكم عام 1998، سيكون رئيسا للجزائر للمرة الرابعة على التوالي. ولكن يبدو أن ترشحه هذه المرة لم يرق لكل الجزائريين، فقد تكونت مجموعة "بركات!" التي ما فتئت تحتج في العاصمة الجزائر ضد ترشحه للانتخابات. وبالقرب من الجامعة يوزع أنصار هذه المجموعة منشورات كتب فيها"أنا لم أطلب منك أبدا الترشح للرئاسة مرة رابعة، لذلك أطالبك بالانسحاب من هذه المهزلة السياسية." ويتساءل البعض في الجزائر لماذا يترشح بوتفليقة، البالغ من العمر 77 عاما، مرة أخرى للانتخابات الرئاسية وقد قضى 16 عاما في منصب الرئيس؟ من الذي اقترح اسمه للترشح مرة أخرى وماهي أهدافه؟ أسئلة لم تجد إجابات وإنما مجرد تكهنات.
حركات معزولة ودون قدرة على الحشد من جهته، يكتب الخبير في الشؤون الجزائرية جوزيه غارسون في تحليل نشرته صحيفة "أوبسيريفايتور دو ماروك" (أن "انعدام الشفافية نظام متبع في الجزائر، حيث الغموض والتلاعب يحولان دون الوصول إلى داخل مركز السلطة." كما يبدو أن المعارضة لا تثير مخاوف النظام في الجزائر، فأنشطة مجموعة "بركات" تكاد لم تخرج من العاصمة، وقد تجد بعض المناصرين في المدن الجامعية الجزائرية، ولكنها لم تجد آذانا صاغية في الأقاليم والأرياف.
ولكن هذه المجموعة تبرهن في الوقت نفسه على "قوة أخلاقية" نابعة من الكفاح السياسي، على ما يوضح ناصر جابي، خبير في علم الاجتماع من مركز التنمية والاقتصاد التطبيقي قي العاصمة الجزائر، في حديث مع مجلة "جون أفريك"ويضيف بالقول: "وهذا أمر نادر في الجزائر التي تعودنا فيها الخروج إلى الشوارع والتظاهر للمطالبة بظروف معيشية أفضل". ويشدد بالقول إنه من الضروري ألاّ تبقى هذه الحركة مقتصرة على الطبقة الوسطى وأن تشمل الطبقات السفلى من المجتمع أيضا. ولكن وبعكس تطلعات جابي، فإن الشعب الجزائري ظل هادئا، وحتى خلال الثورات العربية اقتصر الأمر على بعض الاحتجاجات في العاصمة التي سرعان ما خفت صوتها.
هل ملّ الجزائريون الثورات وانعدام الاستقرار؟
من جهته، تحدث الصحفي الجزائري محمد سيفاوي في كتابه الصادر حديثا "التاريخ السري للجزائر المستقلة" عن أسباب تحفظ الجزائريين إزاء الاحتجاجات التي اُستلهمت من الثورات العربية. أولا، لا يريد الجزائريون، الذين عاشوا بين
وبالتالي فإن أعلى هرم السلطة في الجزائر ليس بحاجة إلى استخدام العنف لإرهاب المعارضين، على ما يقول رشيد أوعيسى، بروفيسور في العلوم السياسية في جامعة ماربورغ الألمانية. "الانتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان – على غرار ما شهدته الجزائر في السبعينات - لم تعد موجودة." ويلفت إلى أن الجزائر في الواقع قد وصلت مرحلة تاريخية لمناقشة مبادئ سياسية على غرار التغير الديمقراطي وشرعية السلطة، "ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل حتى الآن، فالأحزاب السياسية الكبيرة تعرضت للتدمير والتهرئة، والساحة السياسية أصبحت تافهة."
أما سيفواي، فيؤكد أن النظام لا يريد بأي حال من الأحوال التفريط لا في السلطة السياسية ولا في السلطة الاقتصادية في البلاد. أما ما يخشاه النظام، فهو الشباب الجزائري. ولكن لم تظهر حتى الآن أي بوادر لثورة شبابية في الجزائر، حيث تستفيد أغلبية المنتمين للطبقة الوسطى من الهدايا المالية التي يقدمها لها النظام. ولهذا السبب يدعم هؤلاء النظام، على ما يكتب سيفاوي. كما أن الفقراء راضون بقدرهم. أما أوعيسى فيقول إنه في حال حصل الشباب على المال، فإنهم لن يخططوا لثورة بل "سيشترون به قاربا للإبحار نحو الضفة الشمالية للمتوسط."