عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

جاءت إلى مصر مع زوجها وأبيها وابنها وبنتها، وكان عمرها 48 سنة، وكان قدومها يوم السبت 26 من رمضان عام 193 هجرية لزيارة من كان بمصر من آل البيت بعد أن زارت بيت المقدس وقبر الخليل، ولما علم الناس فى مصر بنبأ قدومها خرجوا لاستقبالها فى مدينة العريش أعظم استقبال، ثم صحبوها إلى القاهرة.

أحب أهل مصر السيدة نفيسة حباً جماً وكانوا يعتقدون فى كرامتها، فإذا نزل بهم أمر جاءوا إليها يسألونها الدعاء فتدعو، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادته من عبادات، ففكر زوجها أن يرحلا إلى الحجاز ولكنها قالت له: لا أستطيع ذلك لأننى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام، وقال لى لا ترحلى من مصر، فإن الله تبارك وتعالى متوفيك بها.

واليوم موعدنا مع الكاتب المغربى عاشق مصر حتى النخاع فؤاد زويريق: يقول فى البداية «تعالى واحنا نشيلك فوق راسنا»، «ان ما شالتك الأرض نشيلك فوق راسنا»... عبارات سمعتها كم من مرة من أصدقاء وهم يوجهون لى دعوة لزيارة مصر مجدداً، عبارات تذكرنى بكرم المغاربة أيضاً عندما يقولون لضيف ما «مرحباً بك غير آجى نحطوك/ نهزوك فوق رأسنا» كلها عبارات تشير إلى عظمة الضيف وقيمته عند هذين الشعبين، فإن تحمل- مجازاً - ضيفاً فوق رأسك وفى قعر بيتك فهذا لا يدل على الدونية أو الخنوع بقدر ما يدل على قيمة الضيافة كحالة من الحالات الإنسانية القائمة على العطاء والسخاء وغنى النفس قبل الجيب، هى عبارات تستمد قيمتها من قيمة المجتمع نفسه، فالمجتمع المحترم القائم على أسس أخلاقية وإنسانية سليمة لن يكون سوى مجتمع كريم مضياف منفتح على الآخر، فكما نقول فى لغة التسويق «الزبون ملك»، فـ«الضيف ملك» أيضاً لدى أهالينا فى المغرب ومصر، فدائماً ما نسمع مغرب الكرم، ومصر الكرم، وهى صفات لم يتميزا بها هكذا اعتباطاً ومن فراغ بل من تجارب واحتكاكات باقى الأفراد والشعوب بأهل هذين البلدين.

أخذتنى الصدفة الى سوبر ماركت فى مدينة لاهاى الهولندية، دخلت أبحث عن سلعة معينة، لم أجدها، فاتجهت أسأل عنها عاملة من العمال المنتشرين فى المكان، دلتنى على المكان، من ملامحها ظننتها مغربية، سألتها إن كانت كذلك, لكنها نفت وأخبرتنى بأنها من مصر، تحدثت معها لبرهة من الزمن، فعرفت منى أننى أحب مصر وأهلها وأكلها، وأننى زرتها فى السابق، وأنا أحدثها بعجالة عن مصر كما رأيتها وأحسستها، سمعت منها عبارة «والله إحنا نشيلك فوق رأسنا» مرات عدة، كانت تتكلم بصفة الجمع ونيابة عن أكثر من 100 مليون إنسان، كانت فخورة ومعتزة بأهلها وبلدها ووطنها، فى الأخير قبل أن أودعها أبت إلا أن تكون واحدة من شعب مصر الذين تفتخر بهم، أبت إلا أن «تشلنى فوق رأسها» هى أيضاً، فطلبت منى رقم هاتفى إن أمكن حتى تعرفنى على زوجها وتدعونى يوماً إلى بيتها إذا طبخت طبيخاً مصرياً كما أسمته، لم تكن حتماً دعوتها دعوة «مراكبية» فقد كانت صادقة بل كانت مصرة عليها وعاتبتنى بعدما شكرتها على مجاملتها ولطفها، دعوتها تشرفنى بطبيعة الحال لكننى حينها اعتبرتها مجاملة من عشرات المجاملات التى تصادفنى، إصرارها وتأكيدها وتأثرها بكلامى عن بلدها جعلنى أشعر بها وكأنها تحولت من سيدة مصرية مهاجرة عادية إلى سفيرة تمثل 100 مليون مصرى، وكأنها تقول لى بكل شموخ أنا مصر، أنا أرض الكرم التى استقبلتك هناك، وأنا نفسها أرض الكرم التى ستستقبلك هنا، هذا هو الكرم الحقيقى عندما يصل إلى ذروته ويخرج عن سيطرة الفرد الواحد لينتشر ويتغلغل كثقافة فى دماء شعب بأكمله داخل البلد وخارجه، بل يصبح عنوان وطنٍ اسمه مصر.

 

حفظ الله مصر

[email protected]