سن إبرة
في زمن الاذاعات الخاصة عند بدء دخول الراديو مصر، كان تجار المخدرات يستغلونها لتسيير أعمالهم.. من خلال تبادل إهداء أغنيتين مقابل مبالغ زهيدة: "في الجو غيم" و"الجو رايق وصافي" لصالح عبد الحي ومحمد عبد الوهاب. فإذا كان موعد التسليم كما هو دون تغيير.. أهدي "عباس أبو شفتورة" المعلم "حنكورة" أغنية "الجو رايق وصافي" لتتم الصفقة.. وإذا كانت الشرطة نشطة تبدل الإهداء لأغنية "في الجو غيم" فيتم التأجيل لموعد آخر!! وهذا بالضبط هو ما قام به أنس الفقي.. عندما أمر المذيعين أن يحذروا شباب التحرير بضرورة مغادرة الميدان لأن "مجموعات إثارية" سوف تهجم عليهم بكور النار. ولم يكن هذا تحذيرا بقدر ما هو تحديد لساعة الصفر للبلطجية الذين تم تكليفهم بالهجوم علي الثوار، وتأكيدا لأن أحدا لن يوقفهم. ولم يكن التحذير المزعوم سوي عملية ضغط علي الأهالي لسحب أبنائهم من الميدان، وتخويف أكبر عدد منهم ليغادروه بالفعل، حتي إذا ما هجم البلطجية وجدوا عددا أقل وسهلت مهمتهم. ولا يمكن أن يقوم الرجل بذلك دون توجيهات من أعلي.. قد تكون من مبارك ذاته أو علي الأقل من وريثه الشؤم جمال. تماما كما أن السفاح حبيب العادلي لا يملك قرار إطلاق النار دون صدور التوجيهات من الرئيس مبارك شخصيا.
والحقيقة الأخيرة أملك عليها دليلا رأيته بعيني.. عندما قادتنا دعوة للعشاء وجهها لي اسماعيل صالح مدير سابق لاعلانات "الوفد" عام 86 .. لمتابعة تمرد الأمن المركزي لحظة بلحظة.. يومها شاهدت بعيني وزير الداخلية أحمد