عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جيران والدة الخديو إسماعيل تحت خط الفقر

القمامة تحاصر الطريق
القمامة تحاصر الطريق بعزبة الوالدة

يستدعون «خوشيار هانم» من القبر ويترحمون على حى أولاد الأكابر

 

حقبة زمنية شكلت لمصر تاريخها الحديث، تحت قيادة أسرة محمد على باشا، شهدت أبهى مظاهر التحضر العمرانى فى تطوير مدينة القاهرة وتحديثها، التى جعلتها، كما وصفها المؤرخون، قطعة من أوروبا، تجمع الحضارتين الإسلامية القديمة للمماليك، والأوروبية التابعة للمستعمر البريطانى.

داخل أروقة القصور الملكية عاشت هوانم مصر، البعض منهن حظين بحب المصريين فظللن فى ذاكرتهم حتى الآن، والبعض الآخر سجل التاريخ أسمائهن بصورة نادرة غالبيتها بـ«النيجاتيف»، ولكن فى كل الأحوال لم يكن بعيدين عن قصر الحكم، بل كان لهن دور مهم فى تشكيل التاريخ المصرى الحديث.

ولعل أبرزهن «خوشيار هانم»، سيدة تركية كتب التاريخ اسمها مرتين، الأولى عندما أصبحت الزوجة الثالثة لإبراهيم باشا نجل محمد على باشا، واقتربت أكثر من القصر حكم المحروسة، والثانية بعدما تولى نجلها الخديو إسماعيل الحكم، ولقبها بالوالدة باشا.

رغم ما شهدته مصر خلال فترة حكم الخديو إسماعيل، من تقدم على المستوى المعمارى، وتطلعه لتحديث القاهرة على النمط الأوروبى، وبناء قصور وكبارى ما زالت صامدة إلى وقتنا الحاضر، إلا أنه اتهم بأنه أغرق مصر فى دوامة الديون، بعد أن اتبع سياسة الاقتراض للصرف على المشاريع.

وكان من ضمن المشاريع الخديوية قصر أنشأه لوالدته خوشيار هانم عام 1873م، واستمر بناؤه حتى عام 1877م، بشمال منطقة حلوان، التى تعد البداية الأولى لظهور القاهرة الحديثة، وشجع هذا القصر على توافد الباشاوات لبناء القصور بجوار القصر الملكى، وتحولت منطقة حلوان إلى حى «أولاد الأكابر».

وصف المؤرخون القصر بأنه جنة فى الأرض، لما يتمتع بمساحة ضخمة، ويتكون القصر من 366 غرفة، وثلاث أشجار نادرة من كل نوع فاكهة تم استيرادها من بريطانيا، وزخازف ذهبية، ومفروشات فريدة، والعديد من التحف والتماثيل المحلاة بالذهب والفضة، كما يتميز بالإنارة بمصابيح الغاز على الجانبين.

وسرعان ما تحول القصر إلى مقر صغير للحكم، شهدت جدرانه على اجتماعات لبحث المشاريع القادمة، وحال البلاد آنذاك، إلا أنه بعد تولى الملك فاروق الحكم طلب الإنجليز منه استخدام القصر كمستشفى لجنود الإنجليز، الأمر الذى أغضب فاروق فأمر بهدمه فوراً، وتحول إلى ناد لرياضة التنس.

وبعد مرور 140 عاماً من تشييد القصر، تحولت ملاعب تنس الملك فاروق إلى محطة مياه شمال حلوان، ولم يتبق منه سوى الجزء الخاص بالخدم، والذى قسمته وزارة الآثار إلى جزأين، الأول خاص بمنطقة آثار حلوان والصف، والثانى تحول إلى مركز نموذجى لتدريب الفتيات وتنمية المرأة الريفية بحلوان التابع للهيئة العامة للإصلاح الزراعى.

«الوفد» دخلت القصر وتجولت فيما تبقى منه وفى الجزء الخاص بهيئة الآثار، ستجد بين الحاضر والماضى تناقضاً واضحاً وفرقاً كبيراً، فلم تتكاتف الجهود لحماية هذا التاريخ، رغم أن عبق الماضى يجرى ويشع فى كل شبر من أركانه، ويحمل بصمات أحداث تاريخية مهمة، إلا أن هذه الموروثات بدلاً من محاولة توظيفها من جديد تدمرت وأصبح ما تبقى من القصر فى يد ما لم يقدر أهمية الآثار.

المبنى بشكله الخارجى يحتضر وينتظر لحظة السقوط فى أى وقت، تنتشر بجوانب السور الداخلى بواقى قمامة، كما تحول السور بدوره من اللون الأحمر إلى الأسود نتيجة إشعال النار المتكرر فى القمامة، وعدد من إطارات السيارات ملقى على حجارة متراكمة بدون فائدة.

النوافذ مفتوحة على مصاريعها، ترحب بالحشرات المقبلة على القمامة، و«مواسير» أكلها الصدأ ومتهالكة وعفى عليها الزمان للصرف الصحى، وصوت عصافير يسكن الأشجار التى كانت فريدة من نوعها، المشهد بشكل عام يوحى بزيارة مقبرة، فلا يمكن لأى عقل أن يتخيل أن هذا الجزء خاص بقصر أثرى ويسكنه موظفون تابعون للآثار!

الأمر لم يختلف كثيراً فى الجزء الثانى من باقى القصر، فمركز تدريب الفتيات لتنمية المرأة الريفية، حائر لا يعرف له مصير، مكون من طابق واحد بحديقة أشجارها تعيش فى فصل الخريف دائماً، أوراقها جافة تبدو كأنها سقطت من العطش، مهملة لأبعد الحدود، يصعب على العقل البشرى أن يستوعب درجة الإهمال وكأن الطبيعة هربت تاركة الخراب فقط.

الباب متهالك تقرعه الرياح، وأرض ليس لها لون يذكر من شدة الغبار، «كراكيب» هنا وهناك، مقاعد خاصة بمدرسة فوق بعضهم البعض، وأسقف تسكنها «العناكب» وجدران منقوش عليها الأحرف الأبجدية بالترتيب، وأسماء الفتيات وأصدقائهن، فمثلاً «سمية ومحمود وبس، الحب الأول والأخير، وآية يوسف، وقلوب صغيرة».

 

جيران الوالدة باشا: الضرب فى الميت حرام

أما عن جيران قصر خوشيار هانم، وهم سكان عزبة الوالدة، يثبتون أن الفقر والجوع هو الوجه الثانى لعملة وجهها الأول الإرهاب، ففى شهر أغسطس من عام 2014 انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى فيديو لمجموعة إرهابية تسمى «كتائب حلوان»

أعلنوا من خلاله الجهاد المسلح ضد القوات المسلحة ووزارة الداخلية، تم تصويره داخل أحد شوارع العزبة، بدون أن يتدخل أحد من المارة، فجميع الأهالى لا يشغلهم شىء سوى بحثهم عن الرزق.

من أجل هؤلاء قامت ثورتان تناديان بالعدالة الاجتماعية فى سنوات متقاربة، تولى عليهم ثلاثة رؤساء الحكم، وتغيرت حكومات، ومجلسان للشعب، ووضعهم لم يتحرك خطوة واحدة نحو مستقبل جديد، بل ازداد سوءاً، فالعشوائية باتت واقعاً، وبيع السلاح «على عينك يا تاجر» وطلاب المدارس احترفوا بيع المخدرات، حتى النادى الرياضى القمامة هى جماهيره.

 

التعليم.. «لم ينجح أحد»

حرمت عزبة الوالدة من التعليم، حتى عام 1954م، عندما قام أحد الأهالى ببناء مدرسة ابتدائية وتأجيرها لوزارة التربية والتعليم وكان يطلق عليها مدرسة العبسى، وكانت تعمل بنظام الفترات الثلاث، وعندما ازداد عدد السكان قامت الحكومة بتأجير مقر المأمور الزراعى وفتح مدرسة جديدة، وفى عام 1985م تم وضع حجر أساس مجمع مدارس عزبة الوالدة «ابتدائى - اعدادى».

حتى بعد إنشاء مجمع مدارس، ظلت أزمة التعليم داخل العزبة، وذلك لانتشار أمية المتعلمين، وقامت جمعية النهوض وتنمية المرأة بالتعاون مع المجلس الثقافى البريطانى بإجراء دراسة على المدارس فى منطقتى عزبة وعرب الوالدة، اكتشفوا أن 60٪ من الطلبة لا يجيدون القراءة أو الكتابة.

«مجموعات المدرسة لتقوية الطلاب هى لضمان نجاح ابنى».. هكذا بدأت نورهان مدحت، أم لطفل بالصف الرابع الابتدائى، قائلة: «ابنى قرب يخلص ابتدائى وهو لسه مش بيعرف يكتب وبيتلخبط فى الحروف، ودروس التقوية نصب فى نصب، فقير بياكل فى فقير، علشان ينجح ويعدى السنة وخلاص، الفصل به 60 طالباً ويمكن أكتر، هيفهم إزاى مع كل ده».

وتابعت حديثها قائلة: «الطلاب فى المدرسة الاعدادى بيبيعوا حشيش بعد الحصص، وبيشربوا سجاير داخل الحمامات، وأشكالهم بلطجية، ومفيش حل غير المدارس الخاصة، وإحنا مش نقدر عليهم».

ويقول محمود ممتاز، فى العقد الرابع من عمره: «المنطقة تعانى بشكل كبير من انتشار البلطجة والسرقات، نظراً لعدم وجود أعمدة إنارة تكفى جميع الشوارع، الأمر الذى ساعد على انتشار بيع الأسلحة والمخدرات بسهولة، وفى جميع الأوقات».

وأضاف «ممتاز»: «أغلب مساكن العزبة غير آدمية، مواسير الصرف الصحى من سنوات لم تتغير، ولم تخضع للصيانة، وسوزان مبارك اهتمت بالمساكن الخارجية على الشارع الرئيسى ونقلتهم لمساكن جديدة، طيب إحنا نعمل إية ونشتكى لمين دلوقتى وبيوتنا آيلة للسقوط».

يذكر أن عزبة الوالدة مرت بأسماء عديدة، فكان يطلق عليها قدماء المصريين «مدينة خيراها» حتى الفتح الإسلامى، فأطلق عليها العرب «ممفيس الشرقية»، ثم ظلت مهملة حتى بداية حكم محمد على باشا، حيث سكنها بعض أهالى الصعيد فأطلق عليها «عزبة الصعايدة» حتى بناء قصر الوالدة وتغير اسمها إلى «عزبة الوالدة».

وفى عام 1914م تغير إلى «عزبة السلطان» نسبة إلى السلطان حسين كامل، وفى عام 1924م تغير الاسم إلى «عزبة الأوقاف الملكية» نسبة إلى الملك فؤاد الأول، ثم عاد الاسم القديم لها عقب قيام الثورة سنة 1952م «الوالدة»، وفى سنة 1972م أطلق عليها الأهالى «منشية حلوان الجديدة»، ولكن لم يتداول الاسم وظلت معرفة بعزبة الوالدة.