رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

اﻻﺣﺘﻼل اﻏﺘﺎﻟﻪ ﺣﺮﻗًﺎ.. واﻟﻌﺎﻟﻢ ﻗﺘﻠﻪ ﺻﻤﺘًﺎ

«اﻟﻮﻓﺪ» ﺗﺮﺻﺪ أﺳﺮار اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻷﺧﻴﺮة في ﺣﻴﺎة الصحفي أﺣﻤﺪ ﻣﻨﺼﻮر

شهيد الحقيقة الصحفي
شهيد الحقيقة الصحفي أحمد منصور

والدته: كانت آخر كلماته "سامحي يامّا".. وأطالب بتحقيق دولي في حرق ابني

زوجته: أحمد حُرق حيًّا أمام الكاميرا.. أين الإنسانية؟!

شقيقه: النيران التهمته من أظافره حتى رأسه.. وشظية اخترقت الجمجمة

شقيقته: شاهدت كل لحظة بالفيديو.. لأكون شاهدة على الصمت!"

ابنه يسأل: "مين هيعطينا المصروف بعد بابا؟

.. وابنته: متى يوم القيامة عشان أشوف بابا؟

في لحظةٍ لا تُنسى، رأى العالم صحفيًا يحترق حيًا على طاولة "الحق" بنارٍ أشعلتها يد الاحتلال وغذّتها خيانة الصمت، رحل الصحفي "أحمد منصور" - الذي استُشهد جراء قصف خيمة الصحفيين قرب مجمع ناصر الطبي بخان يونس جنوبي قطاع غزة - كمَن يُؤدي طقوس الشهادة في مِحراب الوطن.
احترق الجسد ووُلدت الصورة من وسط النار، ووثّقت العدسات نهاية أراد لها الاحتلال أن تكون صامتة، فإذا بها تصرخ وتَنخز في سُويداءِ القلب.
وبصمته المسموع، أخبر "أحمد" العالم بكل شيء، لم ينقل الحدث تلك المرة بل كان جزءًا منه، وكشف اللثام عن بشاعة احتلال يمكنه أن يُدكّ شعبًا كاملًا فلا يبالي في أي واد هلكٍ، فيقتل ويحرق ويُفجّر ويأسر ويهدم البنيان لبنة لبنة.. ولات ساعة ترميم!
ارتقى كـ قُبلة على جبين الحقيقة فكتبها بأدواته البسيطة؛ قلمٌ لم يسعفه الوقت ليُكمل به جملته الأخيرة، و"لاب توب" بالكاد يقاوم بضوئه ظلام حربٍ خاضها بدمه وألمه وأحلامه، حملته نيران الاحتلال إلى السماء بعد أن التهمت جسده ببطء كأنها تنتقم من كل حرفٍ كتبه، وتركت لأسرته جُرحًا لا يبرأ وصورة "شهيد مُحترق" أشدّ حرارةً عليهم من ألفِ صيف! ماتت في جوفه الكلمات وخلف رسالة باقية لن تموت.

<strong alt=
الشهيد الصحفي أحمد منصور

في هذا الملف.. تُفتح دفاتر الحريق، تُروى القصة من قلب اللهب، تتحدث أسرته عن شهيدٍ لم تحرقه النار بل خلّدته.


عدالة مشتعلة


"ابني حلم بالشهادة ونالها.. بس النار ما بتنطفي بقلبي".. بهذه الكلمات بدأت الحاجة زهر عباس منصور، والدة الشهيد أحمد منصور، حديثها لـ"الوفد" قائلة: «قتلوا ابني بدمٍ بارد، حرقوه وهو جالس على كرسيه، اشتعل جسده كله، حسبي الله ونعم الوكيل، يحرقهم زي ما حرقوه حيًّا، من يوم ما سمعت الخبر وأنا ما بنام، قلبي مو قادرة أطفّي النار اللي جواته.. بالبداية قرأت أخبار متداولة باستشهاد صحفي ما كنت أعرف صحتها لكن قلبي انقبض، اتصلت على أحمد، ما رد، راسلته كتبتله "الو" ما في رد.. قلبي صار يغلي. أول مرة ما يرد عليّ، أول مرة ما يطمنّي. حسّيت إنه راح.. فجأة طار».
كانت كلماتها جمرًا وسردها مؤلمًا أشبه بجنازة صامتة وصوتها يرتجف مع كل جملة وهي تحكي عن آخر حديث جمعها بابنها ليلة استشهاده بعد صلاة المغرب: «قال لي: يامّا سامحي، أنتِ قلبك كبير. رديت عليه: أنا مسامحة الكل، بس قلبي ما عاد يتحمل كل اللي بيصير. قلت له: سامح أنت.. قال لي: والله أنا مسامح الكل يمّا.. سألني: خايفة؟ قلت: آه والله خايفة.. فقال لي: لا تخافي، يا ريت أستشهد وأدخل الجنة.. قلت له: سلامتك، ولادك محتاجينك. كان دايمًا يدعي: "يا رب أموت شهيد".. طلبها ونالها حبيبي كان قلبه حاسس!».
"كان كل يوم يبوس إيدي واليوم غاب للأبد".. بقلب مكسور يئِن بلا صوت واصلت "أم الشهيد" حديثها وكأنها تحتضن قبرًا غائبًا وتُقبل نارًا لا تبرد قائلة: «عرفت إن الصحفيين انضربوا، قلبي انقبض فدخلت عليّ زوجته "أم وسام" سألتها أحمد معهم؟ قالت لي: "أيوه" رحت على المستشفى.. حكوا لي إن إصابته خفيفة كذّبوا عليّ مرة يحكوا لي إنها حروق من الدرجة الأولى ومرة يحكوا إنها من الدرجة الرابعة.. أنا ما احتجت طبيب يشرح لي، شفت ابني ووجهه ميّت لكن فيه نفَس، غِبت عن الدنيا من الصدمة أعطوني حقن مهدئة، لما صحيت اتصلت عليّ حفيدتي تصرخ: "أحمد استشهد.. قلت لها: "من وين جبتي الخبر! فردت: من الأخبار.. على الفور سكّرت الخط، واتصلت على جارنا ممرض سهران مع أحمد بالمستشفى، ما رضي يحكي. فقط حكى: ابنك حميدو عندك؟ حكى معه كلمتين فقط، بعدها سألته، قال لي: "آه.. أحمد استشهد".

الشهيد الصحفي أحمد منصور ووالدته
الشهيد الصحفي أحمد منصور ووالدته

تطرقت "الأم الثكلى" في حديثها إلى لحظة أخرى لا تقل وجعًا قائلة: ابنه وسام، بالصف الثالث، يسأل عمته: "مين بيفزعلي لو ضربوني؟ ومين بيعطيني مصروفي بابا مات.. ردت عليه: "أنا بعطيك المصروف".. غالبت الأم وجعها لتحكي عن طيبة ابنها الشهيد قائلة: «كان ييجي كل يوم، يبوس إيدي وراسي... كل يوم. حتى لو عليه شغل، يجي العصر.. الله يرحمه، كان حنونًا، طيبًا.. الكل بحبه».
اختتمت "والدة الشهيد أحمد منصور" حديثها بنداء مؤلم للضمير الإنساني قائلة: «أنا بطالب بحق ابني أحمد من كل العالم.. من كل حقوق الإنسان، ابني انحرق قدام عيوني وهو حي، وين الحماية الدولية للصحفيين؟ وين حق ولاده؟ كيف رح يعيشوا؟ كيف ينسوا صورة أبوهم وهو بنحرق؟"
وأعربت الأم عن إصرارها على مطلبها قائلة: "نطالب بتحقيق دولي في واقعة حرق ابني الصحفي أحمد منصور".


وداع مصوّر


أفصحت "فداء إبراهيم" زوجة الشهيد أحمد منصور لـ"الوفد" عن علاقتها بزوجها الراحل، كانت تُمسك بالذكريات كأنها الكنز الأخير، وترويها بلهفة مَن يبحث عن الحياة وسط الرماد، لم تكن تحكي فقط، بل كانت تئِن، تذوب، وتنزف وجعًا من شدة الفقد، قائلة: «أحمد كان بالنسبة لي نعم الزوج والأخ والصديق ونعم الأب، كُنّا صديقين قبل ما نكون زوجين، كان مخزون أسراري، كان شابًا خلوقًا بمعنى الكلمة وسيرته طيبة بين الناس؛ يحترم الكبير ويُلاعب الصغير، ما كان يحكي عن ألمه ولا صعوبات عمله، وما كان يحب يحسس أي شخص بالخوف، بالعكس كان دائمًا ينشر الطاقة الإيجابية حوله، كنت أخاف عليه، خصوصًا في الفترة الأخيرة؛ لأنهم كانوا يستهدفون الصحفيين بشكل عام وبكل مكان، كنت أقول لحالي: "أحمد، كيف ممكن أخسره؟ هو كل شي إلي، وإلى أولاده، هو الزوج والأخ والصديق والسند والمتكأ".. كنت أحكى أنا بعد أحمد رح أموت.. والله يرحمه».  
كشفت "فداء" صاحبة الـ32 ربيعًا حزينًا تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة زوجها وهي تُفتّش في اللغة عمّا يُسعفها لوصف وجع قلبها بفقدان شريك عمرها لكنها لم تجد، لتُواصل: عرفت بخبر استهداف خيمة الصحفيين من "التليجرام"، وذكروا اسم شهيد صحفي، قلبي وقع.. عرفت إنه أحمد صار معه شيء حاولت أتصل به ما رد قلبي صار يدق بسرعة، ركضت إلى المستشفى "كنت ذاهبة إلى المجهول مش عارفة رايحة لمين، لمصاب؟ لشهيد؟ لشخص حي؟" كنت ضائعة بين دعواتي ومخاوفي.. كلما سألت ممرضًا أو طبيبًا عن أحمد، كان يقول لي: "ادعِ له" لم أكن أعرف وضع الإصابة ولا حالتها، أخفوا عني الحقيقة كاملة، لكن نظراتهم كانت تحكي أكثر من الكلام. رفضوا يدخلوني أشوفه، وكان جوابي الوحيد: "أنا زوجته طمنوني، بس خلوني أشوفه".. بالبداية رأيت شخصًا من باب الاستقبال كان وضعه صعبًا جدًا، رأيته محترقًا  قبل أن يغطوا وجهه بالشاش الأبيض، صعقت من المنظر حكيت لهم: "مين هاد؟.. معقول هاد أحمد؟ حكوا لي: ليس هو".. وصرت أترجى الممرض الموجود على الباب ليطمئنني لكنه رفض وحكى لي "لا"، عدت الساعات وأنا لست أعرف وضع أحمد ولا حالته.. بعد ما يقارب 6 ساعات من الإصرار على رؤية أحمد والاطمئنان عليه، الدكتور حكى لوالدي: "زوجته ممكن تشوفه لكن من بعيد بدون ما تقرب عليه".. أول ما شفته كانت الفاجعة الكبرى أن أحمد هو نفسه الشخص اللي شفته بالاستقبال! "هو الجسد اللي ضليت طول الوقت أدعي إنه ما يكون هو". وقتها، الدنيا كلها اسودّت بعيني. فقدت الوعي، وانهرت. ما قدرت أتحمل. "اللي شفته مشهد ما بينشاف، والوجع ما بينوصف".

زوجة الشهيد الصحفي أحمد منصور وابنه “سلام”
زوجة الشهيد الصحفي أحمد منصور وابنه “سلام”


وأكملت "أم وسام": «أحمد كان يقضي أغلب أوقاته بالخيمة ويظل بها لوقت متأخر جدًا؛ ليتابع آخر الأحداث وتطورات الأوضاع بالقطاع.. آخر مرة حكيت معه كانت الساعة التاسعة ليلًا قبل ما يُستهدف، سمعت صوت قصف، وقلت له: "يا أحمد، الوضع مش تمام، أنا خايفة عليك، متى بترجع؟" رد عليّ وقال: "مش حتأخر، شوي وبرجع".. لكن ما رجع!.. كان دائمًا يكلمني عن الاستشهاد وإن الشهيد مكانه الجنة "طلبها ونالها.. والشهادة تليق بأحمد"؛ فقد نال شهادة الحرق والموت والعمل فى سبيل الله وهذا كرم من ربنا. أحمد كان يوصي أولادنا دائمًا: "ما تغلبوا ماما، اسمعوا الكلام، صلوا، كونوا شاطرين". وكان دائمًا يحكي لابنه وسام، عمره تسع سنين: "أنت راجل البيت لما أكون مش موجود". أحمد بالبيت كان أبًا حنونًا يحب أطفاله ويلعب معهم ويهتم فيهم، ولما يروح على شغله يتحول للصحفي الشجاع ناقل الصورة وصوت الحقيقة».
واصلت الزوجة المكلومة حديثها بعبارات متقطعة وكأن الكلمات تتلعثم في حلقها قائلة: «أحمد استشهد حرقًا بجريمة بشعة، استشهد وما قدر يهرب ولا حتى يصرخ. شاهدت الفيديو المنتشر بعدين في اليوم التالي، لم أره وقتها لأنني كنت بالمستشفى، حينما شاهدته قلبي انكسر.. صرت أبكي وأنا أحكي مع الشاشة، أحكي له كأنه يسمعني: "يا أحمد اتحرك، اهرب، ساعد حالك، لا تستسلم.. أنا محتاجاك".. لكنه ما سمعني! أنا بالآخر أحكي مع فيديو!.. كيف كان شعوره وهو يحترق؟ هل تألم؟ هل تعذب من الحرق؟ كيف كان حجم الألم عنده؟ حتى اللحظة لم أصدق خبر استشهاده، ولم تغب عن بالي صورته وهو محروق للحظة، وأشكر الصحفي الذي حاول مساعدة أحمد وانتشاله من الحريق على مساعدته، "تمنيّت لو ساعده الجميع بدلًا من تصويره ليضل عايش معنا لكنها مشيئة الله".. فقط أتساءل: "كيف زميلك أو حتى شخص غريب ما بتعرفه بتشوفه يحترق قدام عيونك وما ساعدته لتصور الحدث!".
"تقتلني أسئلة الأولاد عن أبيهم".. بكلمات تخرج من عمق الجرح الذي لم يندمل بعد اختتمت "زوجة الشهيد" حديثها قائلة: «ولادي صغار، وما بيعرفوا شيء عن الحياة غير إنه "بابا مش هون". أحمد سمّى ابنه الصغير "سلام"، لأنه كان يتمنى يحل السلام بغزة، كان يحلم بحياة آمنة لأولاده، لكنه استشهد قبل ما يجي السلام! وسام ابني الكبير يحكي لي: "ماما، بابا وين؟ اشتقتلُه بدي أشوفه"، وبنته تسألني: "متى يوم القيامة عشان أشوف بابا؟". وأنا شو بدي أجاوبهم؟ أقول لهم: "بابا في الجنة شهيد بيشوفكم من فوق، بس ما بده يشوفكم زعلانين هو بزعل لزعلكم، ولما تضحكوا هو بيفرح".. كل ما تشتاقوا له اقرأوا له الفاتحة وادعوا له واطلبوا من الله يورجيكم إياه بالحلم».

أحمد منصور - شهيد الحقيقة
أحمد منصور - شهيد الحقيقة


فقد بلا عزاء



مشهد احتراق أحمد حيًا على طاولة العمل ذبحني ونُقلت إلى المستشفى
"قال لي خلي بالك من نفسك وانتبه لعلاجك.. مكنتش أعرف إنها آخر وصية".. بهذه الكلمات بدأ محمد منصور، شقيق الشهيد الصحفي أحمد منصور، حديثه قائلًا: «لم يوجعني السرطان بقدر ما أوجعني فراق أخي حتى دون وداع، وكأن كل الأوجاع اجتمعت معًا عليّ الغربة والمرض والفقد، فقد خرجت من غزة للعلاج من السرطان في المدينة الإنسانية بالإمارات قبل أسبوع واحد من استشهاد أحمد، وفي لحظة وداعه لي قال: "خذني معك يا شريك" - كان دائمًا يناديني بـ"أبو شريك" بلهجته البدوية المحببة - أجبته بحزن: "والله يا ريت أقدر آخذك، أنت وكل العيلة، بس تخلص الحرب ونرجع على خانيونس بلدنا اللي انولدنا فيها".. أحمد كان الضحوك فينا، الاجتماعي الذي يخلق الابتسامة من العدم، كان رجلًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يخدم الغريب قبل القريب بصدر رحب».
"الشهيد أحمد جمع بين الجذور المصرية والروح الفلسطينية.. هذا ما كشفه "محمد منصور" لـ«الوفد» قائلًا: «أخي امتزج في دمه النيل بالزيتون، فجدّنا الأكبر عبدالله مكي جاء من الشرقية بمصر واستقر في بلدة المغار بفلسطين وغرس جذور عائلتنا، فكانت هويتنا مزيجًا من أرضين».
واستطرد: «أنا درست الإعلام، صحافة وإذاعة وتلفزيون، أما أحمد فكان يدرس تخصصًا تربويًا واجتماعيًا، لكنه في ظل واقع غزة القاسي، اضطر في سنته الجامعية الأخيرة إلى تغيير مساره بالكامل، رأى في الإعلام فرصة - ولو ضئيلة - لعيش كريم يعيل به عائلته، فانتقل إلى دراسة الصحافة الإلكترونية، وكان قراره هذا نقطة تحوُّل في حياته، فسرعان ما برز في مجاله وبرع في كتابة الأخبار والتحرير والصياغة والتصوير. كان يملك بلاغة في التعبير وكأنها فطرية، وتعلم الكثير بجهده، وساعده في بداياته زوج أختي الذي كان له فضل في تشكيل أحمد الصحفي والإنسان».
سرد "محمد" تفاصيل المكالمة الأخيرة التي دارت بينه وبين شقيقه قائلًا: «في الليلة الأخيرة قبل استشهاده كلّمني بعد منتصف الليل، فتح مكالمة فيديو، كان يحتضن أطفاله الثلاثة على السرير، وأنا كذلك كنت مع أطفالي؛ ضحكنا، تحدثنا، تكلمنا ساعة كاملة، لم أكن أعلم أنها ستكون آخر ساعة!.. وفي اليوم التالي حوالي الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، قُصف أحمد بصواريخ الطيران الإسرائيلي، بينما كان في خيمة أقامها مع زملائه الصحفيين بعد أن دُمّر مكتبهم، ليكملوا منها نقل الحقيقة، كنت ساهرًا في غرفتي بالإمارات، عندما سمعت الخبر من زوجتي التي حاولت إخفاءه عني، قالت لي في الساعة الثالثة إن أختي أخبرتها بأن أحمد "احترق نتيجة القصف".. حينها ما كنت أتخيل حجم الفاجعة ولم أبكِ، فقط قُلت: "ربنا يرحمه"؛ لأني كنت أتوقع استشهاد أحد من أسرتي بغزة في ظل الحرب، لكن عندما رأيت الفيديو.. رأيت أحمد حيًّا، يحترق أمام الكاميرات لمدة أربع دقائق كاملة، يصرخ بصوت مخنوق، ينظر برجاء لزملائه أن ينقذوه، لكنهم لم يستطيعوا الاقتراب من شدة ألسنة النار، فقط عبد شعت، تجرأ وسحبه، وعندما سألته قال: "لو اللي كانوا بيصوروا ساعدوني بدل التصوير، كنا أنقذنا أحمد".. ولكنها إرادة الله».
وتابع: «مشهد احتراقه حيًا على طاولة العمل ذبحني. لم أعد أحتمل حينها نُقلت إلى المستشفى، تلك اللحظة دمرتني تمامًا، كانت الصدمة كبيرة، فأخي أحمد ليس أول من فقدته من إخوتي، قبله رحل فادي، كنا ستة إخوة شباب، واليوم صِرنا أربعة.. أحمد ترك خلفه ثلاثة أطفال "وسام وشام وسلام".. سمّى طفله الأخير "سلام" - والذي وُلد بالحرب - وقال لي: "سميته هيك لأجل ما يجي معه السلام ويحل بغزة"، وكان وضعه المادي صعبًا، يسكن مع عائلته في غرفة واحدة من بيت مغطى بالاسبست، وفي بداية الحرب قُصف البيت، واليوم أهلي يعيشون على الرصيف داخل خيمة صغيرة لا تسعهم جميعًا؛ فالحي صار ركامًا ولم يتبق من الذكريات سوى الألم».
وفي حديثه عن ذكرياته مع أخيه أشار "محمد": «أذكر موقفًا لا أنساه قبل زواجه، حيث كان يعمل بمطعم على البحر، رجع منهكًا ونام، فاتفقنا أنا وأختي نسمة نعمل فيه "مقلب" فأطفأنا الأنوار، جعلنا كل إخوتنا ينامون ويمثلون النوم، وغيّرت عقارب الساعة لتُظهر الخامسة فجرًا، بينما كانت الخامسة مساءً، صحّيته رفض القيام، فأخذت دبوسًا و"وخزت" رجله، فقفز مسرعًا، فتوضأ، وفرش سجادته، وبدأ يصلي "الفجر". وما إن بدأ الصلاة، شغلت النور، وكلنا فارطين ضحك عليه، فقال: "شو مالكم؟ في إيه؟"، ولما عرف إن لسه المغرب، ظل يضحك معنا. وكلما تذكرنا الموقف نضحك عليه على مدار سنوات، كان بسيطًا ومحبوبًا من الجميع ويساعد بلا مقابل».
وأضاف: «بعد استشهاده، لم نستطع إقامة عزاء له في غزة.. لا مكان ولا أمان ولا تجمعات خوفًا من القصف، فقررت أن أفتح عزاء له هنا في الإمارات - رغم أنني لا أعرف أحدًا - فكانت المفاجأة أن الناس تدفّقت من كل مكان، فلسطينيون، إماراتيون، غرباء أصبحوا إخوة في لحظة حزن.. أحمد قال لي في آخر رسالة: "دير بالك على حالك، وفكر بولادك، واتعالج، وزبط أمورك، بعدين بترجع". وقال لأختي أماني: "الراحة في الموت.. الواحد لازم يعمل خير كتير وشر قليل، عشان تكون الخاتمة تليق بالنهاية"؛ إسرائيل أرادت إسكات صوت الحقيقة، لكنها لم تعلم أن أحمد صار أيقونة لكل صحفي يرفض الصمت، ويؤمن أن الحبر أنقى من الدم، رغم أنه الآن خُلطا معًا!»..
"الشهيد أحمد جمع بين الجذور المصرية والروح الفلسطينية.. هكذا أشار "محمد منصور" قائلًا: «أخي امتزج في دمه النيل بالزيتون، فجدّنا الأكبر عبدالله مكي جاء من الشرقية بمصر واستقر في بلدة المغار بفلسطين وغرس جذور عائلتنا، فكانت هويتنا مزيجًا من أرضين».
وفي ختام حديثه، وجّه "أخو الشهيد" رسالته للعالم قائلَا: «صرخة أحمد وهو يحترق، لم تكن فقط صرخة ألم، بل كانت نداءً للإنسانية كلها.. أحمد كان يتمنى أن تنتهي الحرب ويبني بيته الخاص به ويربي أولاده، كان دائمًا يضحك ويقول لي بلهجه بدوية: "بدنا نربي الطنيات" - عندنا بغزة الطنيات تعني الأولاد – ورحل أخي قبل أن يرى حلمه حقيقة! ورسالتي للعالم: "إذا انتهى الذئب من فريسته، فستكون وليمته القادمة الخراف التي شاهدت العرض".. أحمد رحل في عالمٍ ظالم لكنه ترك لنا صوته.. وترك لنا السلام».


شهيد الكلمة



من جانبه، أعرب سامي منصور، شقيق الصحفي الشهيد أحمد منصور، خلال حديثه لـ"الوفد"، عن إصراره على استكمال ما بدأه شقيقه قائلًا: «أتمنى أن أواصل مسيرة أخي في الصحافة حتى لا تنقطع كلمة الحق ويصل المشهد من غزة إلى كل العالم، فقد مارست مهنة الصحافة لمدة ٥ سنوات لكن حين بدأت الحرب اللعينة انقطع الإنترنت والكهرباء فكان من الصعب الاستمرار في عملي كمحرر لذلك انتقلت إلى التصوير في العمل الخيري، كان "أحمد" نعم الأخ والسند كان أخًا وصديقًا مخلصًا لا يرد لأحد طلبًا؛ علاقته بالجميع قوية جدًا، كان دائمًا يتحدث عن عمله الصحفي وكان مسلمًا أمره لله، مواصلًا لعمله في أصعب الظروف ورغم الخطر الذي كان يواجهه، حتى مع اشتداد الحصار ونفاذ مخزون الغذاء، كان يردد: "إن شاء الله ما يصير إلا كل خير"، كان ضحوكًا لا يخلو مجلس من ضحكاته ومزحه، كان – أيضًا - مهذبًا معطاءً مع أهله وأصدقائه إلى أبعد الحدود، على سبيل المثال في واحدة من المواقف النبيلة في حياته، كان عندما يذهب للسهر عند أصدقائه يأخذ معه "بسكوت" أو أي شيء موجود بالبيت ليقدمه لهم بنفس طيبة، بدأ "أحمد" حياته كصحفي فلسطيني غيور على وطنه، طامح في إرسال الحقيقة الكاملة عن قضيته العادلة، ومع اشتداد الحصار استمر في ممارسة العمل الصحفي بمهنية عالية، حيث كان يذهب لعمله في خيمة الصحفيين خلف مستشفى ناصر، وكان الزميل الوحيد الذي يغطي الأحداث المتسارعة على موقع وكالة فلسطين اليوم؛ وذلك لتمكنه من الحصول على مصدر الطاقة وخدمة الإنترنت اللازمة لهذا العمل».
وأضاف: «تلقبنا خبر استهداف طيران الاحتلال خيمة للصحفيين على مدخل مستشفى ناصر قرابة الساعة الواحدة والثلث بعد منتصف الليل، شعرنا بخوف شديد لأن تلك الخيمة كان أحمد يقضي عمله فيها في دوامه اليومي، لكننا لم نتوقع أن يكون أحمد متواجدًا لهذه الساعة المتأخرة من الليل في العمل؛ لأن عمله كان ينتهي قبل منتصف الليلة بساعة، لكن رويدًا رويدًا بدأت منصات التواصل الاجتماعي تضج بصور شاب تشتعل فيه النيران وتبدو عليه ملامح أخي أحمد خاصة الطول، حينها مباشرة اتصلت عليه لكن دون جدوى، في الوقت نفسه تواصلت معي شقيقتي وأبلغتني أنها حاولت الاتصال به لكنه كان يعطيها إشارة مشغول - أي أنه تم إنهاء الاتصال الوارد إلى هاتفه - حينها بدأ الخوف الشديد ينتاب أفراد العائلة، فقمنا بالذهاب مشيًا على الأقدام الى المستشفى، طبعًا الخروج في مثل ذلك الوقت مرعب، ظلام دامس، أصوات طائرات الاستطلاع مخيفة جدًا حتى وصلنا إلى المستشفى، حينها كانت الصدمة! كان أحمد متواجدًا في غرفة العناية المكثفة بقسم الطوارئ بمستشفى ناصر الطبي، في بداية الأمر منعني الأطباء من الدخول نظرًا لحالته الخطيرة، وبعد محاولات عدة تمكنت من الدخول للغرفة والنظر إلى مشهد لم أتخيل أنني سأشاهده في حياتي!».
استكمل "سامي" حديثه: «رأيت أخي وهو محترق بشكل كبير في الجهة اليمنى من الجسم من اظافره حتى رأسه.. بعد دقائق تم نقله في الطابق الثالث للمستشفى في قسم العناية المتوسطة، ووضعوه على جهاز التنفس الاصطناعي، وأبلغنا الأطباء أن حالته حرجة جدًا؛ لتعرضه لحروق شديدة في الوجه والرقبة واحتراق رئة واحدة، واستمرت حالته هكذا إلى أن استشهد، حينها أفصح الأطباء أن أحمد أصيب بإصابة قاتلة في المخ حيث تعرض لشظية وصلت إلى عصب المخ وأحدثت شللًا نصفيًا في الجهة اليمنى من جسمه، ودعناه دون ما نرى وجهه، في ثلاجة الموتى الجثمان كان مغطى بالكامل بـ"الكيس" لم نرَ وجهه وهو شهيد مثل بقية الشهداء، حتى بالعناية بمستشفى ناصر كان وجهه مغطى بالشاش، تمنيت لو رأيت وجهه وألقيت عليه النظرة الأخيرة مهما كان وضعه».
كشف "أخو الشهيد" عمّا قاساه خلال الجنازة قائلًا: «كانت لحظات توديع أحمد قاسية جدًا لذلك عندما أخرجوه للدفن تعرضت للإغماء لعدم تحملي الموقف، حتى هذه اللحظة أشعر أنني في حلم لأن ما حدث يفوق تصور العقل، حاولت المشاركة في حمل جثمانه لكن لم تسعفني قوتي على حمله إلا للحظات بسيطة لأنني كنت في حالة صدمة كبيرة، أكثر شيء أثر في هو أنني فقدته للأبد.. لن أراه بعد اليوم، لن أسمع صوته، لن نتشارك الطعام والأحاديث واللحظات السعيدة، وكذلك تأثرت لمشهد أطفاله وهم يبكون كان مشهدًا يفطر القلوب».
وعن تفاصيل اللقاء الأخير أشار: «قبل ذهابه لعمله في تلك الليلة أوصانا بأن نبقى محبين لبعضنا ونسامح الجميع، وأتذكر قبل استشهاده بساعات قليلة أنني تواصلت معه لأسأله عن أصوات القصف المرعبة التي نسمعها فقال لي: "يبدو أنها ديناميت تستخدم لعمل نسف مباني سكنية".. كل دقيقة تمر علينا يزداد فيها ألمنا لأننا نيقن أن "أحمد" رحل للأبد ولن يعود ونستذكر لحظات الحرق التي تعرض لها كيف أنها قاسية جدًا لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها؛ مشهد حرقه بهذه الطريقة الوحشية كان له أثر كبير على الناس في غزة كأن التأثر ظاهر على الناس بشكل كبير لأن المشهد قاسٍ جدًا لا يمكن لأحد تحمله؛ لم يأتِ أحد ليواسينا إلا ويبكي بحرقة على أحمد وما تعرض له، لقد احترق جسده أمام العالم وهو جالس على كرسي العمل لينقل الحقيقة جلسة صمود وشموخ.. ومن هذا الموضع أوصل رسالة واضحة لأحرار العالم ومناصري القضية الفلسطينية بأن الصحفي الفلسطيني مهما حاولتم إيذاءه بصواريخكم لن تنكسر قامته ولن يخمد قلمه في إيصال صوت فلسطين وحقيقة ما يجرى في غزة من إبادة جماعية لم يعرف التاريخ مثلها قط».
وفي ختام حديثه، وجّه "سامي منصور" رسالة للعالم باسم شقيقه الشهيد قائلًا: «إن الطغاة عديمي الإنسانية أرادوا إحراق أحمد ليمنعوا إيصال الحقيقة ولكنهم تفاجئوا بأن ما فعلوه فضح إجرامهم وعرّى صورتهم اللإنسانية، الحقيقة لا بد أن تصل بهمم أصدقائي الصحفيين ولن تتوقف، وأقول لهم لا تعتادوا المشهد حتى لا يتكرر، لا بد أن تهتز قلوبكم لهذه المشاهد لا تصمتوا وتتجاهلوا المجازر بحقنا».. وأقول للصحفيين الذين يواصلون المسير: "رسالتكم سامية عظيمة لا بد أن تتواصل فأنتم تملكون أقوى الأسلحة التي ستواجه وحشية إسرائيل وتفضحها أمام العالم كله ونحن كأخوة سنواصل مسيرة أخي في فضح بشاعة الحرب رغم ما نواجهه ونعانيه فلا بد للحقيقة أن تستمر ولا بد لصوت الحق أن يصل".. ورسالتي للعالم الذي شهد على احتراق أخي "شهيد الكلمة": «لا بد لإنسانيتكم أن تتحرك بأي طريقة لإيقاف نزيف الدم فقد بلغت القلوب الحناجر وبصمتكم هذا سيستمر العدو المجرم في إجرامه بل وسيزداد».

الشهيد الصحفي أحمة منصور مع والدته وشقيقيه
الشهيد الصحفي أحمة منصور مع والدته وشقيقيه

أين الحماية؟



"ما ودّعت أحمد.. ما قلتله سلام ولا حضنته آخر حضن".. بهذه الكلمات بدأت "نسمة منصور" شقيقة الشهيد الصحفي "أحمد منصور" حديثها لـ"الوفد" كمَن تجرّ نفسها جرًّا من بين الرماد، بصوت أم احترقت بنار الفقد مرّتين جراء حرب لا ترحم صغيرًا ولا كبيرًا؛ أولهما بفراق طفلها الصغير وتلك المرة بفراق أخيها الذي احترق حيًّا أمام العدسات، قائلة: "ما قدرت أودّع أخي وقبله ابني وجع ما له اسم، نار بالقلب ما بتنطفي، غصة ما بتنبلع".. وذلك لأني أعالج ابني الآخر المريض في مستشفى إسرائيلي. فمنذ 3 سنوات وهو يصارع مرضًا نادرًا في نخاع العظم وخللًا في الجينات، أخي الشهيد أحمد كان يعرف حجم معاناتي ويُساندني دائمًا، كان مهجة قلبي وصديقي الأقرب، كان يعشق التصوير وتوثيق اللحظات. آخر صورة أرسلها لي في العيد كانت صورته بلبس العيد، وصورة أخرى مع ابني الشهيد، وقال لي: "هنيّالك يا أم شهيد، اصبري واحتسبي، مفتاح الجنة بإيدك وكلنا لهاد الطريق رايحين".


وتابعت: «ليلة استشهاده كنت أتابع الأخبار وقرأت: "استهداف خيمة الصحفيين".. دقّ قلبي. فورًا صرت أتصل فيه، أرسل له رسائل: "يا أحمد وينك؟ ليش ما بترد؟ طمّنّي".. ما كان يرد! قلب الأم والأخت ما بيكذب، حسّيت إنه في شيء غير طبيعي.. اتصلت بأخي الثاني، قلت له: "وين أحمد؟ طمّني عليه بالله". قال لي: "أحمد انحرق.. بالعناية المشددة، ادعيله".. شاهدت الفيديو مرارًا وتكرارًا، رغم قساوته، ما قدرت أغمض عيوني. ما حاولت أتجنبه، بالعكس، شاهدت كل لحظة فيه؛ "حتى ما يجي يوم القيامة أكون شاهدة على التخاذل، شاهدة على الصمت، شاهدة على النار التي أكلت أخي قدّام عيوني".. أصعب لحظة لما رأيته يصرخ والنار مولّعة فيه وهو ثابت فوق "كرسي الحق"؛ كرسي الصحافة الذي صار سبب استهدافه، والوحيد اللي رمى الكاميرا وركض ليساعد، كان الصحفي عبد شعت. لكن الباقين؟ كانوا يصوّرون المشهد! ندائي لهم: "الصحافة ضمير مش ترند، مش سبق صحفي، إنسانيتكم كانت لازم تهتز، كان لازم ترموا الكاميرا وتجروا تساعدوه، تصرخوا، تعملوا شيء.. اليوم ما بعرف ألوم الاستهداف، ولا ألوم الكاميرا اللي صوّرت وجع أخوي وهو بيحترق".


واختتمت: أحمد علّمني في موته: "الثبات" إنك تثبت على كلمة الحق حتى لو النار تحرقك، حتى لو الموت قدّامك.. يا تعيش حر يا تموت حر، ورسالتي اليوم للعالم باسم أخت الشهيد: أخي صحفي، ومفترض أنه عنده حماية دولية! وين حقه؟ وين حق أولاده اللي تيتموا وين حق حرية الرأي؟ وين حقوق الإنسان؟.. أخويا انحرق وهو عايش بأي ذنب؟ ما كان بِدّه غير إن السلام يعم المدينة، يعمّ أولاده، يعمّنا، أحمد كان النور ببيتنا وكان حياة لناس كثيرين.. رحل أحمد وبقي وجع الصورة!

سلام أحمد منصور
سلام أحمد منصور

لم يكن الصحفي "أحمد منصور" ابن أسرته فقط، بل ابن الكلمة، وابن القضية، وابن فلسطين التي لا تموت.
في هذا الملف.. لا نُرثيه بل نكتبه من جديد، نخطّه في صفحات العزة، ونعلّق صوره على جدران الوعي (الشهداء لا يودَّعون.. بل يُورّثون).
سيمضى أطفاله في الحياة حاملين اسمه، وسنحمل جميعًا رسالته: أن الكلمة لا تُقتل، وأن الحق لا يُغتال، وأن دماء الشهداء لا تذهب سُدىً.. وسيكبر "سلام" وقد سُقي اسمه بدم أبيه وبقايا وطن، سيعلم أن والده لم يسقط بل صعد، خفيفًا كالدعاء، نقيًا كالفجر، مرفوعًا كالرايات.