رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

لا بيوت لاستقبال الزوّار.. ولا أسواق للشراء.. وقلوب تبحث عن بقايا حياة بين الدمار

كحك العيد بطعم الدم في غزة

كحك العيد بطعم الدم
"كحك العيد" بطعم الدم في غزة

"إن الأعياد مسرّات وآلام".. ففي غزة لا نسأل عن العيد بل نسأل عن من بقي ليعيشه، ولا نسأل عن العيدية فقد اختلطت بين فتات الركام ورماد الذكريات.. فقط نسأل عن الأمهات اللاتي يعددن موائد الغائبين، وعن الأطفال الذين يستيقظون ليجدوا العيد ثوبًا ممزقًا فوق جثة وطن، والرجال الذين يحملون أثقال النزوح بدل صناديق الهدايا. 

العيد في غزة أشبه بقمر مذبوحٍ بنصل الصواريخ بعدما غُطّي وجهه بسحب الدخان، فقط يمرّ على الخيام يُحدّق في عيون النازحين، فيتلمّس وجوه الثكالى يربت على أكتافهن وهن يحتضنّ صور أبنائهن الشهداء، يقف عاجزًا أمام طفلٍ يمسك بيدٍ غير مرئية، كان يمسكها في العيد الماضي، ثم يتراجع خجلًا من مدينةٍ لم يتبقَّ فيها للفرح موطئ قدم.

فبين خيام النزوح وأطلال الأحلام نقلت "الوفد" صوت غزة الحيّ رغم الموت على لسان من عاشوا العيد بين النزوح والركام، من فقدوا أحباءهم تحت الأنقاض.. كلماتهم ليست مجرد روايات، بل صرخات ألم تروي حقيقة العيد في مدينة تحاصرها النيران، وقلوب تبحث عن بقايا حياة بين الدمار!

أطفال غزة في العيد
أطفال غزة في العيد

خيمة بلا عيد

 محمود عبدالرحمن جمعة
 محمود عبدالرحمن جمعة

محمود جمعة: فقدت ثمانية من أصدقائي المسعفين بأول أيام العيد

"العيد بالنسبة لنا مجرد يوم عادي لم نعد نعرف معناه".. بهذه الكمات بدأ محمود عبدالرحمن جمعة، النازح من مخيم جباليا لمخيم إيواء بخان يونس، حديثه لـ"الوفد" قائلًا: «في المخيم ليس من أولوياتنا أن نفرح بقدوم فهناك أولويات أخرى تسيطر على حياتنا اليومية.  أنا رب أسرة وأب لأربعة أطفال لا بد من توفيرها، مثل جمع الحطب للنار، تعبئة المياه الحلوة والمالحة وإشعال النار للطبخ، حتى النساء في المخيم لم يعد لديهن وقت للاحتفال بالعيد، حيث يقضين طوال اليوم في غسل الملابس يدوياً وتحضير الطعام على النار. أما تربية الأطفال، فهي تحدٍّ كبير في ظل هذه الظروف القاسية، فالمخيم لا يوفر لنا أي نوع من الخصوصية، وكل ما يفصل بيننا وبين الآخرين هو قطعة قماش أو نايلون. حتى الحمامات هنا عبارة عن شيء يشبه الحمام».

وأضاف: «على الرغم من كل هذا، نحاول بقدر المستطاع أن نسرق لحظات فرح لأطفالنا، وأن نخلق لهم بعض الأمل وسط هذا الواقع القاسي وتعويض جزء بسيط ليفرحوا بالعيد؛ رغم أنهم يدركون تمامًا أن هذا اليوم لا يعني لهم أكثر من ذكريات مؤلمة. ففي أول أيام العيد، فقدت ثمانية من أصدقائي المسعفين، الذين استشهدوا أثناء قيامهم بمهمة إنسانية في مدينة رفح. تلك اللحظة كانت قاسية جدًا، ولا أستطيع وصف حجم الألم الذي نشعر به في عالم يسمع ويرى كل شيء ولا يحرك ساكنًا. في كل لحظة من حياتنا، هناك احتمال أن نفقد شخصًا عزيزًا، سواء كان من العائلة أو حتى أحد أطفالنا. الفرح الذي يشعر به العالم أصبح حلمًا بعيد المنال بالنسبة لنا في غزة، ونحن لا نملك القدرة على الشعور به. نحاول التكيف مع الوضع والتأقلم مع كل ما نمر به، لكننا في النهاية وصلنا إلى مرحلة استنفدت فيها كل طاقتنا».

وتابع: «تمنيّت لو آخذ أطفالي إلى محل العاب أو إلى مدينة ملاهي ليفرحوا قليلًا لكنني لا أستطيع،  مشاعري مرتبكة ومشتتة كيف لي أن أفرح وأطفالي في حين أن هناك أطفال زملائي وأصدقائي يفقدون آباءهم في اللحظة ذاتها؟ شعور متناقض للغاية. لسنا أرقامًا في هذا الواقع، كانت لنا حياة جميلة نتمتع بها، وكان لدينا أحلام وطموحات، لكن اليوم، أصبحنا نعيش بلا قيمة، لا يوجد في حياتنا أي شيء يمكن أن يفرحنا. أحاول بكل ما أستطيع أن أشرح لأطفالي معاناتنا، ولكن ابنتي كفاح، 13 عامًا، تقول لي: "يا بابا.. ممكن نروح لأي مكان غير الخيمة التي مللنا منها وتعبنا منها؟' للحظة، أشعر بالندم والأسف لأنني لا أستطيع أن أقدم لهم شيئًا يفرحهم. لا توجد لدينا أي طقوس للعيد، فنحن نعيش حرب إبادة! أما الوضع المادي فهو كارثي فالعيد جاء علينا وجيوبنا فارغة، لا يوجد لدينا سيولة نقدية، وعندما نحتاج إليها، يضطر التجار لمقاسمتنا بعض المال. الأسواق فارغة تمامًا، فقد احتكر التجار البضائع، مما جعل الأسعار ترتفع بشكل غير معقول، ولا يوجد من يراقب هذا الوضع أو يحاسب هؤلاء التجار».

أطفال الغزة يصنعون أجواء الفرحة في العيد
أطفال الغزة يصنعون أجواء الفرحة في العيد

واستطرد: «هذا العيد يمر لأول مرة منذ ثلاثين عامًا وأنا أعيش بدون والدي، الذي توفي بسبب مرض لعين لم نتمكن من علاجه، شعور الفقد يقتلني كل يوم. أشعر بالعجز الشديد، ففي كل يوم يسألني أطفالي عن متى ستعود حياتنا الطبيعية، متى سنتمكن من الذهاب إلى الملاهي والمطاعم وزيارة الأهل، وأنا لا أملك إجابة. الصمت يقتلني، ولا أريد أن أكذب عليهم في محاولة لإخفاء الحقيقة. أحاول أن أصنع بعض الفرح لهم من خلال مشاركة أطفال المخيم في ألعاب جماعية تقليدية، ولكن في النهاية لا قيمة لهذا الفرح المؤقت، لأن الأطفال يفهمون كل شيء، ويشعرون بحجم الألم الذي نعيشه. الحرب سرقت كل مظاهر الفرح من عيون أطفالي وأطفال المخيم وأطفال القطاع بشكل عام. الشوارع هنا حزينة مميتة، لا أجواء للعيد إلا بعض المحاولات الفردية لمحاولة إدخال الفرح على الأطفال هنا في عزة».

بحروف تتسلل منها مرارة الواقع اختتم "محمود جمعة" كلماته قائلًا: «أشعر بتناقض هائل بين محاولات الفرح وأصوات التكبيرات وبين أصوات الانفجارات التي تتوالى كل ساعة أو ساعتين من جهة أخرى. هذا الشعور لا يوصف بالكلمات، فكل ما يصوّره الإعلام لا يمثل سوى 1% من الواقع الذي نعيشه. الواقع هنا هو حياة فوق أنقاض الصرف الصحي والقمامة، ومعاناة من قلة الطعام والماء، ولكن ورغم كم  الدمار في غزة نحاول أن نبقى صامدين، متمسكين بأرضنا ووطننا بكل ما أوتينا من قوة، ولن نغادره مهما كانت الظروف».

أكفان العيد

 العيد في الغزة.. شهيد جديد
 العيد في الغزة.. شهيد جديد

أبو الطيب شبات: نموت في العيد.. رأينا أطفالنا بالأكفان قبل الملابس الجديدة 

على غرار غيره من أبناء غزة، بات حلم النازح أبو الطيب شبات، البالغ من العمر ٣٩ عامًا، العودة إلى حياة طبيعية بعيدًا عن ويلات الحرب قائلًا: «العيد الحقيقي بالنسبة لي هو العودة إلى منزلي المدمّر ببيت حانون، العيد في غزة لا يحمل طعم الفرح، بل طعم الموت والدمار، رأينا أطفالنا بالأكفان قبل الملابس الجديدة، الحياة بالنسبة لنا مليئة بالمشاعر المتناقضة التي تتبدل حسب ظروفنا، وكل يوم يحمل تحديات جديدة تجعل حياتنا أكثر صعوبة، الحياة بالنسبة لنا روتين مرعب جدًا من قصف ونزوح وجوع ومع ذلك، نحيي شعائر العيد في قلوب أطفالنا، ونحاول أن نشعرهم بأن هذا اليوم مميز حتى في ظل الظروف الصعبة، نحاول أن نمنحهم بعض الفرح بالعيدية والملابس رغم أن العيد في داخلنا أصبح يومًا متعبًا حزينًا وحفنة ذكريات مؤلمةّ!».

 أبو الطيب شبات
 أبو الطيب شبات

بأسى يعلو صوته، تذكر أبو الطيب معاناته من مرارة النزوح المتكرر هو وعائلته - والتي سردها لـ"الوفد" - قائلًا: «نحن شعب غزة نتأقلم بسرعة مع الظروف القاسية، نعيش لحظاتنا ونحتسب أن قضيتنا محقة من جميع الجوانب، سواء من الناحية الدينية أو الإنسانية أو الفكرية، فنحن على حق في أرضنا ومقدساتنا. قبل الحرب كانت حياتنا طبيعية، لكن الآن فقدنا الكثير من أحبائنا الذين كانوا جزءًا من فرحتنا، ولا عيد بدونهم، ورغم كل هذا، نجد عزاءنا في أنهم شهداء، فنحن في غزة نُقتل من أجل قضية سامية، قضية دينية وإنسانية وحريّة، وسنبقى نكتب بدمائنا على صفحات التاريخ».

نصف بيت.. ونصف حياة

أطفال غزة بملابس العيد
أطفال غزة بملابس العيد

عبدالرحمن الكحلوت: لا مكان للفرح في زمن القصف والدمار

عبدالرحمن الكحلوت، أحد سكان الشمال، سرد لـ"الوفد" كيف يقضي العيد بفرحة معدومة ونصف بيت قائلًا: «أسكن حاليًا في المقصوف الذي كان مكونًا من أربعة طوابق، وبقي منه طابقان، الذكريات هنا تتضارب، فقد نزحنا في اليوم الرابع من الحرب إلى مناطق مختلفة مثل النصيرات والزوايدة ومن ثم دير البلح، وكان شعور النزوح في كل مرة صعبًا للغاية. في مثل هذه المناسبات، تتفتح الذكريات الحزينة، ونشعر بالألم لفقدان أحبائنا الذين رحلوا عنا. وعيدنا الحقيقي في التخلص من هذا الاحتلال إلى الأبد، ففرحة العيد لا مكان لها في قلوبنا وسط هذا آلامنا الكبيرة، لكننا مضطرون لإظهارها».

واستكمل الشاب العشريني: «بالنظر إلى الدمار من حولنا، يراودني سؤال عن كيفية إعادة إعمار هذا الخراب الذي أصبح جزءًا من حياتنا اليومية. العيد بالنسبة لنا ليس مجرد فرحة، بل عبادة وشعائر يجب أن نحييها مهما كانت الظروف، على أمل أن يأتي العيد القادم وقد تحسّن حالنا. لكن شعور قصف المنزل لا يوصف، فقد تعرضنا للكثير من القصف في هذه الحرب والحروب السابقة. أتذكر آخر عيد قضيناه في منزلنا مع صديقي الشهيد، كان عيدًا مليئًا بالذكريات الجميلة قبل أن تأخذنا الحرب إلى واقعنا المرير. اليوم، ومع منزلنا نصف المدمر والشعور المستمر بأن الحرب قد تعود في أي لحظة لتقصف ما تبقى، لم أشترِ ملابس جديدة للعيد، ولم أحتفل كما كان يجب، كل ما فعلته هو تهنئة أصدقائي عبر الهاتف، محاولًا إخفاء الألم خلف كلمات فارغة في محاولة لتقليد الفرح في زمن لا مكان فيه لفرح حقيقي».

وأضاف: «استقبلنا ضيوفًا في منزلنا بالعيد لكن ليس كما في الأعوام الماضية، حاولنا التعايش مع الوضع، فإيماننا بقضاء الله وقدره يدفعنا للرضا رغم كل الألم. لم أخرج في العيد إلا إلى المسجد، وحاولت عائلتي إحياء بعض طقوس العيد التقليدية، مثل تحضير الفسيخ على الإفطار وتوزيع الكعك بيننا. إلا أننا رغم ذلك لم نستطع إخفاء الحزن، خاصة بعد فقدان صديق عزيز لنا، لذلك لم نرغب في إظهار أي مظاهر فرح احترامًا له، إضافة إلى أن الوضع النفسي العام لا يسمح بالاحتفال. مشيرًا: «لم أنتظر دعمًا من أحد فكل شخص في غزة يحمل قصة من الحزن والألم ويحتاج إلى دعم نفسي ومادي، دعمت نفسي وتعلمت البرمجة.. ورسالتي إلى العالم هي أن يقدروا شعائر الله، ولكن أن يكون فرحكم داخل بيوتكم، لا تظهره في الأماكن العامة، احترامًا لمشاعر أهل الشهداء والمصابين، فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

معركة البقاء

أسرة بملابس العيد في غزة
أسرة بملابس العيد في غزة

محمد أبو وطفة: استيقظنا في العيد على صوت القذائف ورشاش الطيران

وقال محمد أبو وطفة المحامي الفلسطيني: «كنت نازحًا بين رفح وخانيونس، لدي أربعة أطفال ولدين وبنتين، منهم ابن مصاب في عينه ويتلقى العلاج في مصر، هو وزوجتي وابني الرضيع أيضًا بمصر. أما بناتي الصغيرتين اللتين تعيشان معي في غزة، فهما تبلغان من العمر 6 و8 سنوات. نحن الآن نعيش في بيتي المدمر شمال غزة في منطقة الرمال الشمالي، حيث لا توجد فرحة للعيد في ظل الظروف الصعبة. استيقظنا في العيد على أصوات القذائف والطائرات، وأطفالي ارتدوا ملابس العيد ولكن حركتهم كانت محدودة على باب البيت؛ لأننا لا نستطيع الخروج بسبب القصف المستمر. لم أتمكن من زيارة عائلتي أو إخوتي في العيد، فوسائل النقل معدومة بسبب القصف الذي يعم المكان. كما أن بناتي يعانين من فراق والدتهن في مصر، وهن يبكين كثيرًا ويشتاقن لها».

محمد أبو وطفة
محمد أبو وطفة

وكشف أبو وطفة لـ"الوفد" عن التحديات التي تواجهه قائلًا: «أصعب ما أواجهه هو بعدي عن زوجتي وأطفالي، خاصة أن ابني الذي كان عمره 3 شهور عندما تركته الآن أصبح عمره سنتين وأنا بعيد عنه. أما بالنسبة لملابس العيد، فأسعارها مرتفعة جدًا، لكنني حاولت أن أسعدهم بما أستطيع رغم محدودية الخيارات، فكل شيء حولنا مدمر ولا يوجد مكان للذهاب إليه، والبلد بأسره يعاني من الخراب. كل ما يمكن أن يفرحهم هو أنهم ارتدوا ملابس العيد، بينما يقتصر لعبهم على المخيم أو في البيت. مع إغلاق المعابر، لا توجد محلات لشراء الحاجات الأساسية أو حتى الحلويات، ولا يوجد طعام لا لحوم ولا أسماك، ونعيش على المعلبات فقط. أما الكهرباء، فغائبة عن حياتنا، حتى أن الأطفال لا يستطيعون مشاهدة الصور المتحركة على التلفاز أو الاستمتاع بأي نشاط بسيط».

 

وأردف: «الوضع المادي صعب للغاية، فلا يوجد سيولة أو بضاعة جيدة، وكل شيء أصبح غاليًا بشكل غير معقول. ما كنت أشتريه بشيكل أصبح بـ20 شيكل، عملنا متوقف ولا يوجد مصدر دخل. الأوضاع في غزة أصبحت أكثر قسوة يومًا بعد يوم، ولا أرى أي أمل قريب في العودة إلى ما كنا عليه سابقًا. الأجيال تدمرت في كل شيء، من تعليم وصحة وحياة كريمة. كل ما يمكننا فعله هو محاولة رسم الابتسامة على وجه أطفالنا بالقليل الذي نملكه، لكن الوضع أصبح شديد الصعوبة. وفي كل مكان نذهب إليه نواجه الدمار. حتى الحصول على المياه أصبح صعبًا، ونحن نعيش في خوف دائم من القصف والطيران. بناتي لا تتركني لحظة واحدة، حتى أثناء ذهابي إلى التواليت، لأنهن لا يريدن أن أتركهن. أكثر من مرة تعرضنا للقصف المباشر بالقرب من منزلنا، وفي المخيم سقطت قذائف على الخيام المجاورة لنا، والأشلاء سقطت على خيمتنا. حياتنا أصبحت عبارة عن قصف مستمر ودمار وهروب من الموت».

العيد بين الأمل والمعاناة

إيهاب أبو سلمان: العيد في الخيمة جحيم لا يُحتمل

إيهاب أبو سلمان، من سكان شمال غزة، سرد لـ"الوفد" معاناته من النزوح قائلًا: «تعرضت للنزوح أكثر من 12 مرة، وآخر نزوح كان قبل أسبوعين، وأنا الآن نازح في منطقة الرمال بغزة. وضعنا بشكل عام سيء للغاية بعد الحرب، فكل شيء تغير بشكل كبير جدًا، ولكن الأمل ما زال موجودًا بفضل الله ورحمته. في شمال غزة الوضع أصعب من أي وقت مضى، فلا حياة ولا ماء ولا بيوت ولا طرقات». 

إيهاب أبو سلمان
إيهاب أبو سلمان

وأشار: «العودة إلى حياتنا قبل الحرب أصبحت مستحيلة في ظل هذه الظروف، فقد خسرت بيتي، وخسرت عملي، ولكن الحمد لله، رغم كل شيء، حاولت أن أخلق لأطفالي أجواء العيد، واشتريت لهم كسوة العيد رغم صعوبة الحال. نحن الآن نعيش بفضل الله ورحمته، ونتحمل لأجل أطفالنا. غزة تستحق أن تعيش وتفرح، ولكن في هذه الظروف، لا يسعني إلا أن أقول: "حسبي الله ونعم الوكيل" فالعيد في بيتي كان مليئًا بالفرح والأمان، أما العيد في الخيمة فهو كالجحيم».

عيد بلا أحبة

طفلة ترتقي بملابس العيد
طفلة ترتقي بملابس العيد

حمادة تيسير: قضينا العيد بين القبور وأنقاض البيوت

بينما قال النازح الفلسطيني حمادة تيسير: «العيد في غزة لم يعد كما كان في الماضي، فقد فقدنا الأحبة الذين كانوا يشكلون فرحتنا ويصنعون بهجة العيد. فقدت والدي الشهيد وأخي الشهيد، وكل ذكرى لهما تحمل عبق الفرح والتضحية. اليوم، نحن نعيش في خيام، لا توجد أجواء عيد حولنا، بل مر العيد مثل أي يوم عادي، فقد استيقظنا لزيارة قبورهم، نبكي على فراقهم، وقلوبنا مليئة بالحزن والاشتياق.. تكبيرات العيد هذا العام كانت تذكرنا بغيابهم، وكان آخر عيد قضيناه معًا مليئًا باللمة الطيبة والضحك، والزيارات العائلية التي كانت هي ما يجعل للعيد معنى. اليوم لا شيء يعوض ذلك الفقد العظيم، سوى الإيمان بالله واحتسابهم شهداء عنده». 

حمادة تيسير
حمادة تيسير

"بكل خيمة قصة ألم وفقد".. هذا ما أكده "تيسير" لـ"الوفد" قائلًا: «نعيش في المخيمات، حيث تُفقدنا حتى أملنا في الحياة، فقد باتت الهموم تتراكم علينا والأحزان تُثقل صدورنا. أعيش اليوم على ذكرى الراحلين ومقتنياتهم البسيطة؛ من ملابس وهواتف كلما تلمستها شعرت بوجودهم بيننا. لكن على الرغم من كل الألم والفقد، نؤمن بأن الله معنا، وأن الأمل لا ينقطع ما دمنا أحياء. ورسالتي لكل من فقد عزيزًا في هذه الحرب، أن يصبر ويحتسب؛ لأن الألم والفقد لا يجب أن يطغيا على الإيمان بالله وحكمته».

تكبيرات مؤلمة

شهداء في العيد
شهداء في العيد

نوال قنونة: في غزة لا بيوت لاستقبال الزوار ولا أسواق للشراء

"العيد في غزة إبادة وجوع وقصف وقوافل شهداء".. بهذه الكلمات تحدث الدكتورة نوال خضر عبدالفتاح قنونة، مديرة مركز البرامج النسائية في البريج لـ"الوفد" قائلة: كنا نعيش حياة بسيطة في المغازي، حتى نزحنا إلى رفح ثم إلى البريج حيث كانت هناك العديد من عمليات الإخلاء بسبب القصف المستمر. انتقلنا بعدها إلى النصيرات ثم دير البلح، وفي النهاية اضطررت للجوء إلى مدرسة إيواء تابعة للأونروا لفترة. في ظل الوضع الراهن، أشعر بالخوف والتوتر مع استمرار القصف وعدم وقف إطلاق النار، مما جعل العيد يفقد معناه تمامًا. فقد هُدم منزلي ومنزل إخوتي وأصبحنا بلا مأوى ولكنني ما زلت أقول "كل شيء بتعويض إن شاء الله".

 د. نوال خضر عبدالفتاح قنونة
 د. نوال خضر عبدالفتاح قنونة

وأضافت: «مقارنة بالأعياد السابقة التي كنا نعيشها في فرح وسعادة، حيث كنا نبدأ بالتحضير للعيد قبل شهر من قدومه، كان هناك طقوس وأجواء مليئة بالبهجة، حيث كانت الحياة تمنحنا شعورًا بالطمأنينة. الآن عند سماعي لتكبيرات العيد، تتسلل إلى ذهني صور الشهداء الذين فقدناهم، وبيوتنا المهدمة والطيران الذي لا يتوقف، فتساءلت بيني وبين نفسي: "من سيكون الشهيد في هذا العيد؟" العيد هذا العام مختلف وصعب، فقد أصبحنا نعيش في أماكن نزوح بعيدة عن بيوتنا، وفقدنا كل شعور بالأمان في وطننا. في هذا العيد، حاولنا قدر المستطاع إحياء بعض طقوس العيد البسيطة، مثل شراء الحلويات، وصنع الكعك والمعمول، وتوزيع المكسرات، ولكننا لا نملك القدرة على الاحتفال كما في الأعوام الماضية. كل شيء أصبح مختلفًا، فلم أعد أتمكن من تحضير المنزل لاستقبال الأهل كما تعودنا في العيد. شعور عدم الأمان، والتنقل من مكان إلى آخر، مؤلم للغاية. ورغم كل ما نعيشه من معاناة، حاولنا التغلب على المحن من خلال التنسيق مع المؤسسات الخيرية لتقديم الدعم للنازحين، وشاركت في ورش عمل وجلسات دعم نفسي للأطفال والنساء. لم أتمكن من شراء ملابس جديدة للعيد بسبب الأولويات الملحة، لكننا حاولنا خلق أجواء بسيطة تعيد لنا شيئًا من شعور العيد. مع ذلك، أفتقد تجمع أفراد عائلتي في منزلنا صباح العيد، فقد فقدت ابن أخي، الذي كان في السابعة عشرة من عمره، ولا نعرف حتى الآن مصيره. الفريق منقوص، والفرحة غائبة».

 

واختتمت: «االفرح في العيد أصبح حلمًا بعيدًا، فكيف يمكننا الاحتفال وسط كل هذه الدماء والدمار؟! أصبح العيد في غزة كفنًا، والضحكة أنينًا، والفرح وداعًا لا عودة له. في هذا العيد، يمر علينا الفرح مسلوبًا، حيث أصوات القصف تملأ الأجواء، والعائلات تبحث عن بقايا حياة مفقودة تحت الركام، أو في مخيمات النزوح.. في غزة، لا بيوت لاستقبال الزوار، ولا أسواق للشراء، ولا ساحات ممتلئة بضحكات الأطفال. العيد في غزة أصبح مجرد ذكرى، والصغار الذين كانوا ينتظرونه بفرح، يقضونه اليوم في وسط الخراب، باحثين عن حياة دمرتها الحرب. ونحن في هذا العيد، ما زلنا نسمع أصوات الطيران المتواصل، حيث لا وقت للراحة ولا للمناسك، لكننا رغم قلة الإمكانيات، تواصلنا مع أصدقائنا وعائلاتنا، وتبادلنا التهنئة عبر الهواتف، لعلّ الأمل يعود بوقف هذه الحرب وجمع شملنا مجددًا».

أحلام محطمة

 

مريم حسام: أطفال غزة لا يعرفون لذة الفرح

بينما قالت النازحة الفلسطينية مريم حسام لـ«الوفد»: «في غزة، العيد أصبح مجرد يوم عادي، لا احتفالات ولا ملابس جديدة ولا بهجة تُذكر. الأطفال يعيشون في معاناة كبيرة، فالكثير منهم بين شهيد وجريح ومفقود، وآخرون محطمو الروح من ويلات الحرب التي طالت كل زاوية. بينما العالم يبحث عن الطعام، نحن نكافح للبقاء على قيد الحياة، نعيش في ظروف أقسى من أي وقت مضى، ولا نشعر أن هناك عيدًا أصلًا. فغزة اليوم لا تحمل أي فرحة، لا في العيد ولا في غيره».

واستطردت: «الأعياد التي مضت كانت تحمل طعمًا آخر، الأطفال في الشوارع، والعائلات تجتمع في دفء وراحة، كنا نعيش مع أحبابنا في بيوتنا، وكنا نحتفل سويًا في سلام وأمان، مع وجود أبي وأخي وأصدقائنا حولنا، أما اليوم فنفتقد كل ذلك. تمنيت لو لم يأتِ العيد هذا العام أصلًا؛ فالأطفال هنا يتطلعون إلى العيد كغيرهم من أطفال العالم، أصبح الفرح بعيد المنال بعد عودة الحرب. العيد في غزة أصبح مختلفًا بشكل جذري، فبينما كنا نعيش في منازلنا ونحظى بقوت يومنا، اليوم نعيش في خيمة مهترئة لا تحمينا من البرد ولا من الحر ولا من الأمطار التي تغرقها، نكافح كل يوم لتدبير أمورنا، والخصوصية لا مكان لها في حياتنا، فما الفائدة من الخصوصية عندما لا يوجد الحق في العيش بسلام وأمان!».

بحروف يغلفها اليأس أعربت "مريم" عن استنكارها للواقع الأليم في غزة قائلة: «لا مكان آمن هنا، كل مكان تحت القصف، والاحتلال يقتلنا في كل زاوية. حياتنا تحولت إلى كابوس مستمر، ورغم أنني حاولت أن أستعيد شغفي بالحياة، إلا أنني فقدته. نفكر في شراء ملابس للعيد، لأن كل تفكيرنا هنا البحث عن الطعام فقط، وما كنت أصنعه أو أعده للعيد لم يعد له قيمة في ظل ما نعيشه من معاناة. اتصالاتنا في العيد مع الأهل لم تكن للتهنئة فقط كل واحدة منا تسأل الأخرى عن حالها، فالجميع يعاني». 

بنبرة تتناثر منها جراح الروح أكملت الشابة الفلسطينية حديثها قائلة: «غياب الأحبة أصبح أعمق جرح في قلوبنا، فقد سرقت الحرب منا أعز ما نملك. كنت أحلم بأن أحتفل مع أبي وأخي في هذا العيد، ولكن القدر كان أقوى، فأخي استشهد في هذه الحرب، وأبي في معركة سيف القدس. نحن نعلم أن الحياة يجب أن تستمر ولكن ليس بهذا الكم من الخسائر فقد بلغت القلوب الحناجر. رأيت الأطفال في العيد يخفون حزنهم في عيونهم، ورأيت القهر في عيون الآباء والأمهات؛ بسبب عجزهم عن شراء الملابس أو توفير الطعام لأطفالهم. لم يعد لدينا أي أمل في المستقبل.. نحن نموت على مرأى ومسمع من العالم، ولا يوجد منزل في غزة يخلو من الشهداء. لا طعام ولا شراب، ولا ملابس، ولا حتى خيام توفر لنا تدفئة أو أمانًا. بالكاد نستطيع تدبير أمورنا عبر ادخار بعض الطعام، العام الماضي أكنا أعلاف الحيوانات بسبب المجاعة التي ضربت عائلاتنا.. هذا هو واقعنا اليوم في غزة، وهناك الآلاف من القصص الإنسانية التي تتحدث عن معاناة يومية لا تنتهي».

 

فرحة معدومة

قمر عبدالرحمن
قمر عبدالرحمن

قمر عبدالرحمن: غزة تصنع عيدها ومجدها من قلب الحرب

ومن مدينة الخليل حدّثتنا الكاتبة والإعلامية الفلسطينية قمر عبدالرحمن عن العيد في غزة قائلة: «نسمع يوميًا صوت القذائف القوية التي تسقط على غزة من هنا، جاءنا العيد واستقبلته كأيّ أمّ فلسطينيّة تنجز أعمالها المنزلية وتتابع مسؤولياتها العائلية، وفي قلبها غصّة بلادها اللامتناهية، تبكي نهارًا أمام نشرة الأخبار الدموية، وتناجي الله ليلًا أن يرفع البلاء عن العباد والبلاد. فالعيد بالنسبة لي كحيطان الغرفة الأبيض، يزيد اصفرارًا مع مرور السنوات، وهذا التأثير السلبي من رطوبة الأخبار، وعفونة القرارات، وتشقق هدف الإعلام السّامي.، لكنه في النهاية من شعائر الله ويجب أن نعظمها في الأرض مهما كان الحال سيئًا، فربُّ العباد له الحكمة العليا في كلّ ما يحدث». 

وتابعت: «منذ الأزمة السورية، وأنا أدرب أطفالي على تعظيم النعم الصغيرة مهما كانت عادية بالنسبة لهم، مثل أنهم يملكون  أسِرّة خاصة، أو أنهم ينامون بأمان دون خوف، أو أنهم يملكون حرية اختيار ملابسهم، أو أنهم يملكون سقفًا يأويهم، وغير مجبرين على شيء، وبعد حرب غزة أصبح هذا الأسلوب التربوي عادة حفظوها عن ظهر قلب، فكلما انزعجوا من أمرٍ قارنوه مع أطفال الحروب، ثم تقبلوا الأمر الذي أزعجهم برحابة صدر، فقررت هذا العام أن يرتدي أطفالي ملابسًا كانت عندهم منذ فترة، ولم أشترِ لهم جديدًا ليس بخلًا أو تقصيرًا في حق أطفالي بقدر ما هو تنميةٌ لشعور الأدب مع معاناة الآخر». 

وعن أصعب موقف تعرضت له قالت: «ذات مرة سألتني ابنتي الصغيرة وهي تناولني ملاقط الغسيل في بلكونة المنزل، بعدما شعرت بالبرد ولم أنتبه، حيث قالت بعفوية: ماما.. كيف بناموا بالخيمة؟ هذا السؤال يمزق الشعور.. لأننا في هذا الشتاء شعرنا بالبرد الشديد ونحن تحت سقف وبين أربع حيطان وأمام مدفأة، فكيف الحال في خيمةٍ مصنوعة من نايلون؟! أن تسكن في خيمة يعني أن تتبدل وتصبح إنسانًا آخر، لا تشبه نفسك القديمة أبدًا. أي حزن آخر لا وجود له مقارنة مع حزن غزة المدينة المنكوبة. وهذا أسلوب تربوي رائع أن تحجمي وتتفّهي حزن أطفالك الذي يرونه كبيرًا مقارنة مع أحزان الآخرين الحقيقية والعميقة. العيد خُلق للأطفال، والأطفال أي شيء يسعدهم، ابتسامة، حضن كبير، تسريحة جديدة، حلوى ملونة، صورة عفوية مليئة بالحب.  أفتقد أخي الصغير فقد سافر لبلدٍ بعيد، وأحزن كثيرًا عندما أفتقده عند زيارة بيت أهلي، لأن له نكهةً خاصة ومحببة في العيد».

واستطردت: «دائمًا ما أقول لأطفالي طالما أنكم تنامون مطمئنين مع عائلتكم في مكانٍ واحد، وتصحون على صوت أمكم وأبيكم فأنتم أسعد أطفال العالم، واعتدت أن  أقبّلهم كل صباح وأشكرهم أنهم موجودون في حياتي، فاستقرار النفس من استقرار العائلة، وللعائلة حق الأولوية العظمى؛ فالعائلة وروح المحبة فيها أهم من المال وأهم من العمل وأهم من الكتابة والإبداع.. العائلة أهم من كل شيء عندي.. د ومًا الأمل موجود حتى في أحلك الظروف، فالأطفال الذي رحلوا في الحرب طيورٌ في جنان النعيم، والأطفال الأشقياء في الحرب، سيرسل الله لهم أيامًا جميلة، والأطفال الذين تيتموا في الحرب سيهبهم الله فرصًا عظيمة، فمعظم عظماء العالم أيتام، وفي النهاية الله ألطف وأرحم منا بهم، والله صانع الأقدار وهو الأدرى بغيب كل واحدٍ منا مهما كان القدر قاسيًا».

وفيما يخص أجواء العيد في غزة ذكرت: «الحواجز ومنغصات الاحتلال كفيلة أن تفشل أي زيارة ترفيهية عائلية. إذا زرت أقاربك في العيد بلا نكد المحتل فأنت محظوظ مبدئيًا، وهذا يكفي لكي يمر العيد بسلام. غزة قبل الحرب كانت مدينة رائعة تشع بالأضواء والحلويات وضحكات الأطفال، وجلبة الأسواق والشوارع، وأصوات الباعة، العادات الجميلة، ورائحة الكعك المنبعثة من نوافذ الأمهات، ومشاركة الجارات في الطقوس البيتية، واجتماع الجيران في مسجدٍ واحد، وصوت التكبيرات، وغيرها الكثير من مظاهر البهجة التي أبيدت عمدًا في غزة كلها للأسف، وتحولت لمدينة أشباح، لا الناجي يعرف كيف نجا! ولا الميت يعرف كيف مات! ولا المفقود يعرف من سيجده قبل أن يتوقف عن التنفس! أتمنى أن يقف الإنسان مجددًا، وأن تقف البيوت والمحال من جديد، وأن تعود غزة أفضل مما كانت. عادة أبكي من قوة وجبروت هذا الشعب الفلسطيني، فحتى في الحرب يحاول أن يعيش خوفًا من صاروخٍ آخرٍ في طريقه إليهم، هذا الشعب تليق به الحياة، فهو يقدم لدنياه ولآخرته في آنٍ واحد، هذا الشعب تجاوزت عظمته حدود الكلمات».

أصوات التكبير والفرح وأصوات القصف والخوف؟

وعن المفارقة بين أصوات التكبير وأصوات القصف والخوف في غزة أشارت: المفارقة صارخة ! كمن يعبر لك عن محبته بكلمة مع قبلة، وكمن يصرخ في وجهك بشتيمة مع لطمة.. الحرب سرقت كل شيء، رغم أنني أعتبر أن كل صغار وكبار العالم تلاميذ عند أطفال غزة، إلا أن هذا الأكيد لا ينفي إنسانيتهم وحاجاتهم الإنسانية العادية جدًّا، فهم في النهاية ليسوا أساطير، ومن حقهم أن يكبروا ببطءٍ وسلام.. غزة ما زالت قادرة على الحياة، وقادرة على صنع الفرح رغم شح مصادره ودوافعه، وطالما النفس الغزاوي ينبض، سيتحسن كل شيء بإذن الله الرحيم».

واصلت الإعلامية الفلسطينية حديثها: «أتمنى أن ينعم أطفالنا بعيد بلا قتل ولا فقد، بعيد يشبه العيد ليس إلا! أما عن مشاعري وأنا أرى العالم يحتفل، بينما شعبي يكافح لأجل الأساسيات هو باختصار أن الله خصنا في هذه الأرض من أجل أن نرابط بها ونكافح لأجل حريتها، وهذا شرف عظيم فيه من السعادة ما يتجاوز الأمنيات والحاجات كلها.. أما غزة فهي تصنع عيدها ومجدها من قلب الحرب، وتحاول جاهدة أن تتجاهل الدمار الهائل بابتسامة طفلٍ نجا وحيدًا في الحرب، وطلب كعكًا يشبه كعك أمه الشهيدة، غزة توزع على العالم قوة وجبروت وشجاعة وعزة نفس عظيمة، ما تحملته غزة خلال عامين تقريبًا لم تتحمله أي مدينة في العالم، وقدمت للعالم دروسًا لألف عامٍ قادم عن كيف يكون الانتماء الأصيل، وعن معنى الأرض في الروح الفلسطينية.. وختامًا أقول لمن يعتقد أن أهل غزة فقدوا القدرة على الفرح: واهمٌ جدًّا.. من يحاول إخفاء معرفته بماهية غزة، يتعاظم جهله في كل مرة أكثر. ومن يحاول إخفاء معرفته بماهية غزّة، يتعاظم جهله في كلّ مرّة أكثر».

هذا الملف شهادة على عيد ذُبح أمام أعين العالم، عن غزة التي تكتب يومها بدمائها، عن وطنٍ يمضي نحو الحياة رغم أن الموت يحاصره من كل الجهات. فكيف يبدو العيد لمن فقدوا كل شيء ولم يبقَ لهم سوى الصبر!