عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الصيام ووسطية الدين

د. أحمد محمود كريمة
د. أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر

إن العبد إذا أشرف نور الإيمان فى صدره استعذب الطاعة وحلا لقلبه نور العبادة ورايته يذهب يحمل نفسه بأكثر مما تطيق، والدين وهو الناظم لتكافل القوى بحيث لا تطغى قوة على قوة، ولا تضعف قوة تجاه قوة، لا يبيح للمتدين أن ينال من حقوق جسده، على حساب الاندفاع وراء العبادة، كما لا يسمح بأن يهضم عابد أو متحنث حقوق أهله على حساب دعوة الزهد والزهاد!

فالقوة الروحية فى نظر الدين مهما سمت وتغذت ما كان لها أن تهمل حق الجسد الترابى، أو تقصر فى حقوق الأهل والعيال، أو تختزل من واجبات الإنسان نحو المجتمع.

عن أنس – رضى الله عنه -: قال: جاء ثلاثة إلى بيوت أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها قالوا أين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم أما أنا فأصلى الليل أبدا، وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً! فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم الله وأتقاكم ولكنى أصوم وأفطر وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى. أخرجه الشيخان والنسائى.

وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن مظعون (وكان عثمان – عزم على نفسه – أن يقوم الليل كله ويصوم النهار ولا ينكح النساء)، فقال له رسول الله أرغبت عن سنتى؟ فقال عثمان لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب، فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم - فإنى أنام وأصلى وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً فصم وأفطر وصل ونم. أخرجه أبو داود.

ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال ما هذا؟ قالوا حبل لزينب فإذا فترت – يعنى تعبت من شدة العبادة والقيام – تعلقت به فقال لا حلوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد. أخرجه البخارى.

وعن أبى جحيفة – رضى الله عنه – قال آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان وأبى الدرداء -رضى الله عنهما – فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة فى الدنيا، فجاءه أبو الدرداء فصنع له طعاماً وقال له كل فقال إنى صائم فقال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل فلما كان آخر الليل ذهب أبو الدرداء يقوم فقال: نم فنام، ثم ذهب ليقوم قال نم فنام، فلما كان فى آخر الليل قام سلمان: قم الآن، فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذى حق حقه فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال صدق سلمان. أخرجه البخارى.

وعن عائشة – رضى الله عنها – قالت دخل علىّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندى امرأة من بنى أسد فقال من هذه؟ قلت فلانة لا تنام الليل فقال مه، عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه.

فالدين وإن عرف للروح حقها ونهى عن مادية متطرفة أهملت الخير والبر والنسك، نادى بنفس الوقت إلى طاعة وعبادة متزنة بحيث يرى من خلالها توزيع عادل للحقوق وانسجام محكم بديع بين مختلف القوى التى يتطلبها وجود الإنسانى فى هذا العالم الترابى.

وهو ينفى كل شذوذ لاتجاهات نفسية تسترت باسم العبادة والطاعة فلم يأذن لمتعبد ولا لمتحنث أن يخرج ببشريته عن سنة الله فى خليقته فأنكر المغالاة ودعا إلى القصد فى العبادة ضمن حدود الطاقة البشرية وإلى هذا يشير الحديث الشريف (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم فى الصوامع والديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم).

ويقول - صلى الله عليه وسلم - سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا، وشيئاً من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله تعالى بمغفرة ورحمة. وفى البخارى والنسائى أن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا. أخرجه الشيخان.