رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عصف فكرى

التخلف لغة يعنى التأخر. تخلف أى صار فى الوراء. وتخلف فلان أى لم يحضر. وتخلف الركب أى تقهقر، أو ثبت فى الخلف. وتخلف النمو أى تباطأ.
وعموماً، إن المصطلح سلبى، وكريه، وموجع، لكنه مثير لخلايا البحث يجعلها تنتفض، ومنبه لماكينات الأفكار كى تعمل. 
وبهذا التعريف فإن العالم العربى، والإسلامى متخلف. ولا سبة فى ذلك، ولا تهوين أو ازدراء، وإنما هو وصف علمى منهجى يقوم على قرائن. ففى التصنيفات العالمية للعلوم والمعارف والإنجازات لسنا فى المقدمة، ولسنا حتى فى مواقع متوسطة، وإنما فى الصفوف الأخيرة، ذلك بأننا لا نقدم أى مساهمات حقيقية تنفع الإنسان.
وهنا، فإن واحدة من الإشارات المباشرة والواضحة هى جوائز نوبل العالمية، التى تمنح فى مجالات الطب، الكيمياء، الفيزياء، الاقتصاد، الآداب والسلام، فعدد الذين فازوا بها من العالم العربى كله بلغ اثنى عشر شخصاً فقط.
بينما فاز بالجائزة حتى عام 2020 نحو 336 أمريكياً منهم 95 فى مجال الطب، و90 فى الكيمياء و70 فى الفيزياء، وفاز بها 117 بريطانياً منهم 29 فى الطب و29 فى الفيزياء، و25 فى الكيمياء، وفاز بها 98 ألمانيا منهم 32 فى الكيمياء، و24 فى الفيزياء، و17 فى الطب. كما فاز بها 62 فرنسياً منهم 13 فى الفيزياء، و11 فى الطب، و17 فى الأدب.
وقد يقول قائل إن وراء ذلك سياسات تمييزية ونظرة استعلائية ينظر بها الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) تجاه دول الجنوب، أو المستعمرات السابقة، وهو قول ساذج لكنه يتكرر كثيراً على ألسنة مثقفى المبررين العرب. غير أن ما يرده بشكل قاطع هو فوز خمسة وعشرين يابانياً بالجائزة، رغم أن اليابان ليست من دول الغرب، بل كانت فى مراحل تاريخية عديدة من أعدى أعداء العالم الغربى.
وبنظرة أبسط يمكن طرح سؤال عن أهم الاختراعات العالمية فى القرن الواحد والعشرين والتى حددها العلماء وفقاً لتأثيرها على الإنسان وتضمنت: هندسة المحولات، والجوالات، الإنترنت، الجينوم البشرى، الجى بى إس، الطائرات دون طيار، المركبات ذاتية القيادة، ونسأل عن نصيب المخترعين العرب منها لنكتشف أنه صفر. 
وقبلها لو نظرنا لاختراعات القرن العشرين العظيمة وأهمها الطاقة النووية، الكمبيوتر، الطائرات، السيارات، الصواريخ، الغواصات، التليفزيون، الراديو، فوقتها لن نجد عربياً واحداً كانت له أى مساهمة.
أما ما ينفع الناس وينفع صحتهم، ويمد فى أعمارهم، ويخفف آلامهم ومعاناتهم مثل البنسلين، المورفين، الأشعة، جراحات التجميل، الأجهزة التعويضية، ولقاحات الأوبئة، فكلها منجزات غربية بحتة، استخدمناها واستفدنا بها، ولم نفكر أبداً فى مجاراتها وتطويرها والإضافة عليها. 
انظروا أيضاً إلى ترتيب الجامعات فى العالم، واسألوا أنفسكم أين جامعات العرب؟ اسألوا عن أفضل مناهج التفكير، وابحثوا عن شخص عربى شارك فى وضع أيا منها؟ من هم المفكرون العرب، وما هو مقدار إسهاماتهم الحقيقية؟ 
إن الموجع، بل المؤسف أننا ما زلنا ننظر بفخر إلى إنجازات علمية سبق بها علماء أفاضل انتموا إلى عالمنا العربى الإسلامى قبل أكثر من ثمانية قرون، مثل ابن الهيثم، البيرونى، ابن النفيس، وابن سينا، وغيرهم، لكنهم لم يتكرروا ولم يورثوا علومهم وأدمغتهم إلى أجيال تالية. ذلك بأنهم حوربوا ووجهوا بنخب أزمنتهم التى وصمتهم بالكفر والزندقة والهرطقة وبكل الموبقات. ومن بعدهم لم نسمع عن مكتشف كبير، أو عالم فذ، أو مبتكر يمكن الإشارة إليه بالبنان.
إننا نقلد ونحاكى ونستهلك ونستخدم ونتابع ذلك العالم المتطور، دون أن نفكر برشد وقصد، وعمل ممنهج، وغيرة محمودة لأن تكون لنا إنجازات مماثلة. فنحن ننكر التخلف، لكننا لا نستطيع إثبات ذلك عملياً، ونعتبر هزائمنا، وضعفنا، وهواننا دائماً نتاج مؤامرات كونية تحاك كل يوم ضد العرب، وضد المسلمين، وضد شعوبنا الطيبة المستضعفة.
تتشعب أسئلة التخلف لدينا وتتنوع وتصل إلى الإنسان البسيط الذى قد يتساءل فى سذاجة: لماذا لا ننعم بالتقدم والرخاء؟ ولم نشعر دائماً بالضعف؟ ولماذا تنتشر لدينا الخرافات ويتسع الفساد، ويسود الظلم، ونخسر فى كل الميادين؟ لماذا ننهزم فى معظم المعارك؟
أتصور أن الموضوع ليس مصادفة، وليس صحيحاً أن هناك بشر خلقوا للتقدم، وآخرين كتب عليهم التخلف والهوان. من يعتقد بذلك يناقض فكرة العدل الإلهى التى لا خلاف عليها بين معتنقى كل الأديان.
وليس صحيحاً ما ردده البعض، وللأسف كرره مثقفون عرب بأن المناخ الحار فى نصف العالم الجنوبى يرسخ لصفات الكسل، والخمول، والوهن، ومن ثم يدفع البشر لتتخلف وتتخلف. هذا أيضاً ضد العدل الإلهى، وضد الطبيعة.
وكما ظننت كثيراً، وكما مازلت أظن فليس الأمر نتاج مؤامرة غربية أمريكية إمبريالية، استعمارية، وماسونية (ويمكن هنا إضافة كل التعبيرات الرنانة التى يستخدمها المفسرون المحليون لتصب فى ذات المعنى). فإن تصور أن هناك قوى خارقة قادرة على التآمر على الآخرين طوال الوقت يناقض الحراك الإنسانى وتطور البشر. 
والتفسير فى ظنى أبسط كثيراً. فكل سكون، وكل جمود، ودعة، واستسلام، وتجمد، وتوقف، ووهن مرده الأول هو خلط الدين بالسياسة سواء من قبل المحكومين، أو من قبل الحكام. فمنذ العصور الأولى للأديان اعتبر المحكومون، أن السلطة ضرورة دينية، فسكنت النخب عن الاجتهاد، وخملت عن التفكير والإبداع، واستكانت وسلمت لما هو سائد، ومستقر، وآحادى. وعلى الجانب الآخر وظف الحكام الدين، وهو مقدس فى حد ذاته لخدمة سياساتها وتصرفاتها غير المقدسة، فرسخت بذلك ثقافة القطيع. ولم يكن غريباً أيضاً أن يستخدم الخارجون عن السلطة والطامعون فيها الدين أيضا فى تأجيج الناس ضد الحكام، فصار الأمر أشبه بمزايدة على السماء، وربح الأكثر تطرفاً وتعصباً لتنغلق المجتمعات انغلاقاً تاماً.
وهذا ما يذهب إليه المفكر الأمريكى التركى أحمد كورو فى كتابه المهم «الإسلام: اسللطوية والتأخر» عندما يشير بوضوح إلى أن التحالف الذى عقد فى القرون الوسطى بين التعصب الدينى والاستبداد السياسى فى العالم الإسلامى استمر قروناً وصار جزءاً لا ينخلع عن التراث السائد. ويذهب أحمد كورو إلى أن ترسيخ المقولة الشهيرة للإمام أبوحامد الغزالى بأن الدين والحكم توأمان، جاءت على هوى السلطة السياسية الدينية، واستخدمتها بضراوة الدولة العثمانية فى التمدد والتوسع شرقاً وغرباً.
ولم يكن غريباً بعد ذلك أن تواصل الفكرة تمددها حتى القرن العشرين، فيحكم مستبدون بلاداً بزعم مسئوليتهم الدينية، ويؤسس مستغلون تنظيمات انقلابية ترفع شعارات دينية، وتندلع ثورات وتقع حوادث دمار وتخريب، ويسقط ضحايا فى ظل صراع الدين وهو المقدس المنزه، مع السياسة وهى المدنس الإنسانى.
لقد تقدم العالم الغربى لأنه أبعد الدين عن السياسة تماماً، فصار ما لله لله وما لقيصر لقيصر. ونجحت العلمانية الصحيحة فى فتح آفاق للتطور والتفكر والتدبير والتغيير. وما نستطع طرحه الآن هو أن فصل السياسة والإدارة عن الدين، وعدم تلبيس السياسات وتصرفات البشر أردية التقديس يعد ضرورة إسلامية تحقق الإصلاح الحقيقى لبلادنا الناعسة. ولا شك أنها الطريق الأمثل لنشر التعددية الفكرية فى المجتمعات وتحفيزها على الحراك، والتفكير، والإبداع.
ذلك تفسير ما لم أستطع على كتمانه صبراً، فكتبته للناس موقناً أن رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب.
والله أعلم.
[email protected]