عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

تعرضت الدولة الإسلامية فى عهد عمر بن الخطاب للابتلاء، ومن أعظم الابتلاءات فى عهد عمر عام الرمادة، ففى سنة 18 هجرية أصاب الناس فى الجزيرة مجاعة شديدة، وجدب وقحط، واشتد الجوع حتى جعلت الوحوش تأوى إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافيها من قبحها، وماتت المواشى جوعاً.

سمى هذا العام 18 هجرية بـعام الرمادة، لأن الريح كانت تسفى تراباً كالرماد، وعزّت اللقمة، وهرع الناس من أعماق البادية إلى المدينة، يقيمون فيها أو قريباً منها، ويلتمسون لدى أمير المؤمنين حلاً، فكان الفاروق عمر أكثر إحساساً بهذا البلاء وتحملاً لتبعاته وقد تأثر عمر فى عام الرمادة حتى تغير لونه، رضى الله عنه، ولقد كان رجلاً عربياً يأكل السمن واللبن، فلما أمحل الناس حرمهما، فأكل الزيت حتى تغير لونه إلى الأسود وجاع.

لقد ضرب عمر فى عام الرمادة أعظم مثال فى فن الحكم فى الإسلام، فكان يؤثر الرعية على نفسه، فيأكلون خيراً مما يأكل، وهو الذى يحمل من أعباء الحكم والحياة أضعاف ما يحملون، ويعانى من ذلك أضعاف ما يعانون وكان الفاروق يقوم بتوزيع الطعام والزاد على كثير من القبائل فى زمانهم من خلال لجان شكلها، وخطب عمر فى زمان الرمادة فقال: أيها الناس.. اتقوا الله فى أنفسكم، وفيما غاب عن الناس من أمركم، فقد ابتليت بكم، وابتليتم بى فما أدرى السخطة علىّ دونكم، أو عليكم دونى، أو قد عمتنى، وعمتكم، فهلموا.. فلندع الله يصلح قلوبنا، وأن يرحمنا وأن يرفع عنا المَحل، فرُئى عمر يومئذ رافعاً يديه يدعو الله، ودعا للناس وبكى وبكى الناس ملياً.

رأى عمر أنه هو المسئول الأول عن الأكباد الحرِّى، والبطون الجائعة، وهو ينظر إلى الأطفال وهم يتضورون جوعاً أمامه، وود أن جسمه خبزٌ يقدمه للأطفال، وأخذ يقول: يا ليت أم عمر لم تلد عمر.. يا ليتنى ما عرفت الحياة.. آه يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين.

تذكر عمر أن له فى مصر إخواناً فى الله وأن مصر بلد معطاء، سوف يدفع الغالى والرخيص لإنقاذ العاصمة الإسلامية، المدينة المنورة، وكان والى مصر عمرو بن العاص، فكتب له عمر رسالة: من عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص.. أما بعد: فواغوثاه واغوثاه والسلام، أخذها عمرو بن العاص وجمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم، ولما قرأها عمرو، أجاب عمر مباشرة وقال: لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك فى المدينة وآخرها عندى فى مصر، وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام وحمّلوا الجمال وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل، تحمل النماء والحياة والخير والرزق والعطاء لعاصمة الإسلام، ودعا لهم عمر، وحفظها التاريخ لهم حفظاً لا ينساه أبد الدهر.

قام عمر بوقف حد السرقة فى عام الرمادة، وهذا ليس تعطيلاً لهذا الحد ولكن لأن شروط تنفيذ حل السرقة لم تكن متوافرة، فالذى يأكل بسبب شدة الجوع، وعجزه عن الحصول على الطعام يكون غير مختار، فلا يقصد السرقة، كما أوقف إلزام الناس بالزكاة ولما انتهت المجاعة، وخصبت الأرض جمع الزكاة عن عام الرمادة أى اعتبرها ديناً على القادرين حتى يسد العجز لدى الأفراد المحتاجين، وليبقى فى بيت المال رصيد بعد أن أنفقه كله وبهذا الشكل استطاع الفاروق إدارة هذه الأزمة العصيبة التى مرت على المسلمين، أدارها بحكمة ودراية، وأخذ بالأسباب جميعها، فقد تحمل مسئولية الرعية بكل إخلاص وتفانٍ، جاع كما جاعوا وصبر كما صبروا، وعمد إلى ما وصله من مؤونة وأقوات أتت من الأقطار الإسلامية فوزعها على ضحايا القحط، ثم استسقى الله بكل صدق وخشوع، فلبى جبار السماء عندما سجد وبكى جبار الأرض وأرسل الغيث فأزال الكرب والغمة.