رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ساعة الزمن الحقيقية لا تحسب بالشهور والسنين، ومع التطور التكنولوجى المتسارع أصبح من المعلوم بالضرورة أن ساعة الزمن إنما تحسب وتقدر بما أنجزت فى حياتك، وبنوع المشاعر التى تجعلك على صلة طيبة بالحياة أو مخاصمًا لها.. ومع بداية عام جديد لا يفصلنا عنه سوى ساعات فإنه بالحسابات القديمة للزمن نحن أمة هى الأطول عمرًا بين الأمم، ولكن بمعايير عصرنا الحديث وقياسًا بما أسهمنا به من إنجازات فى زماننا المعاصر فعمرنا قصير جدا، وربما لازلنا فى مرحلة الطفولة البشرية أو «الحبو» بكل ما يعنيه هذا التصوير المؤلم والقاسى من صور فى مخيلاتنا..

لنتأمل معا إشكاليات مجتمعاتنا، سنجدها لا تختلف فى النوع والدرجة عن إشكاليات واجهها الإنسان الأول منذ فجر التاريخ. مثلا لم نتفق بعد على إشكالية «من نحن». ومازلنا أسرى الخلط بين فكرة الحاكم والإله – بين ما هو بشرى وما هو مقدس – بين النسبى والمطلق. مازلنا أسرى لثنائيات بغيضة – الايمان أو الكفر – الخير أو الشر – الأبيض أو الأسود – الحب أو الكراهية – العلم أو الجهل – الغنى أو الفقر.

هذه الثنائيات وغيرها هى سبب جمودنا لأننا نجهل معها حقيقة ألوان الطيف الكثيرة بين كل نقيضين، ولولا هذا التنوع فى التدرج بين الايمان والكفر مثلا أو بين الخير والشر لما استمرت الحياة. حتى السماء لم تكتف بدين واحد ولا بنبى واحد، وقدمت للبشرية ألوان طيف دينية متنوعة من العقائد والرسل.. الأديان الأرضية هى الأخرى تلونت فى معطياتها ومنابعها التاريخية والثقافية. ليس صدفة أن معظم الأمم الغنية بعلومها وبإنجازاتها هى أمم متنوعة جدا فى مكونها الثقافى ولكن الثقافة الجامعة بين شعوب هذه الأمم واحده وقوية، وهناك نوع من الاتفاق والتراضى والقبول غير المكتوب الذى بدوره يساعد دوما على استمرارية ونمو الثقافة الجمعية لهذه الأمة أو تلك. على ضفاف حياتنا من آلاف السنين وحتى اللحظة وقبل أن ننتقل للعام الثالث والعشرين من الألفية الثالثة بساعات قليلة نحن عاجزون فعليا عن هضم التنوع فى الأفكار والرؤى وتحويل عصارة هذا الهضم إلى ثقافة جامعة يرتضيها الناس وتكون أقوى من اى دستور أو قانون أو حتى عقيدة دينية. والإشكالية الأكبر هى أننا نتعاطى مع العقائد الدينية بمعزل عن فروض الأخلاق، وكأن الدين مادة للتجمل الدنيوي، ولا علاقة له بدولة الضمير.

مشكلة الأمم التى لازالت تحبو فوق مدارج التاريخ أنها تشعر دوما بحاجتها إلى أب أو سيد يأخذ بيدها ويحمى طفولتها التى طالت أكثر مما يحتمل التاريخ، بل وأكثر مما تحتمل حتى الجغرافيا التى تئن تحت وطأة الشيخوخة المبكرة لمن يفترشون أرصفتها من قرون طويلة..

أتصور الآن وفى هذه اللحظة، وقبل عبور جسر من جسور الزمن انتقالا لعام جديد أن المعاناة الحقيقية التى تسكننا أننا نكبر دون أن نحيا، ونتكاثر بقوانين الغريزة وليس بدواعى بهجة النفس ونشوة الحياة، ويغزونا الشيب ونحن أطفال بعد، وتمر من أمامنا قوافل الزمن، ولم نغادر بعد حضانة التاريخ وخيالاته الأولى.. ولكى نكون جديرين بدولة وهى الأخرى جديرة بنا، فليس أمامنا إلا الاعتراف أمام أنفسنا بأننا بالغنا فى النوم طويلا، واكتفينا بالتفاخر بطول العمر وبآثار الأجداد الأولين رغم أننا لم نضف لهم حجرا يشهد علينا يوما ما، اللهم إلا شواهد القبور. وربما لم تكن صدفة تاريخية أن الأديان السماوية الثلاثة نزلت تاريخيا فى منطقتنا ما بين الشام وجزيرة العرب ومصر، وكأن السماء تعترف بطفولتنا وبداوة أفكارنا، وبحاجتنا إلى من يأخذ بيدنا لنتعلم المشى فى مسارات التاريخ ودروب الجغرافيا. الآلهه لا تحارب معارك البشر، ولكنها تناصر من يتمرد على ضعفه حتى لو كان منشقًا على قوانينها – أما من ارتضوا سكنى كهوف الأفكار فسيطول ليلهم ويتأخر فجرهم كثيرا.