عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

عرف السابقون فضلها, وأكرموا وفادتها, وعاقبوا من أخطأ فى حقها, فسادوا الدنيا. لغة أهل الجنة, وكتاب المولى إلى أهل الدنيا, لا تصح قراءته بغيرها, ولا تصلح الصلاة بدونها.  اللغة العربية تشكو أهلها فى كل مناسبة للاحتفال بها, تبث أناتها ولا مجيب, تتوجع ولا تجد الدواء, رغم أن الجميع يعرف الداء.

ما زال الأهالى يحثون أبناءهم على تعلم اللغات الأخرى بل وإجادتها على حساب اللغة الأم, وما زالت الوظائف الكبرى تتطلب التحلى باللغات الأخرى, وما زالت مساحة المناهج باللغة العربية فى تراجع دائم لصالح اللغات الأجنبية, وما زالت المعايير الاجتماعية الخاطئة التى رافقت العولمة  تتحكم فينا, من نوع أن الحديث باللغة الأجنبية دلالة على التحضر، والرقي، وهى معايير بعيدة كل البعد عن الحقيقة وتفتقر لأدنى الشروط العلمية, فالحديث باللغة الأجنبية ليس دلالة على الرقى والتحضر لكون هاتين الصفتين تجسيدا للأخلاق والسلوك والمواقف الإنسانية، ولا علاقة لهما بطريقة النطق، أو اللغة، أو إتقان «لكنة» أجنبية ما.

وقديما كان الأعرابى إذا دخل سوقاً وسمع فيها لحناً، يقول: «العجب، يَلحنون، ويربحون؟ وورد عن الحسن البصرى عندما جاءه رجلٌ وقَرَع عليه، قائلاً: «يا أبو سعيد»، وفيها لحن، فلم يجبه البصري, فكرر الرجل وقال: «أبى سعيد» وفيها لحن، أيضاً, فقال له البصري: «قُل الثالثة، وادخُل», وقصد بالثالثة «يا أبا سعيد» وهى الخالية من اللحن.

وفى حادثة أخرى، كان الخليفة الأموى سليمان بن عبدالملك، فى مدينة دابق فتقدّم منه رجلٌ وقال: «يا أمير المؤمنين، إن أبينا هلك وترك مال كثير، فوثب أخانا على مال أبانا فأخذه», فغضب الخليفة الأموى لفداحة اللحن الذى ورد فى كلام الرجل، فقال له: «فلا رحم الله أباك ولا نيح عظام أخيك، ولا بارك الله لك فيما ورثت», ثم يأمر الخليفة بإخراج الرجل من مجلسه، قائلا: «أَخرجوا هذا اللّحّان عنّي».

ولحن بعضهم، فى اللغة العربية، فعزل رئيسه عن عمله، عقوبة له على ما كان يعتبر خطأ لا يغتفر. وقدم طاهر بن الحسين، والعباس بن محمد بن موسى، على الكوفة, فأرسل العباس كاتبه إليه، وقال لطاهر: «أخيك أبى موسى يقرأ عليك السلام», وفيها أكثر من لحن, فسأله طاهر: «وما أنتَ منه؟ فأجابه: «أنا كاتِبهُ», وتنتهى الرواية بصرف العباس بن محمد بن موسى عن الكوفة، لأنه لم يتخذ كاتباً يحسن الأداء عنه.

وكان معاوية بن بجير، عامل البصرة، «لا يلحن», ولمّا مات، جاء رجلٌ بخبر نعيه قائلاً: «مات بجيراً» والصحيح بجيرٌ. فقيل له: «لحنتَ، لا أُمّ لك».

وبعث الحجاج إلى والى البصرة، ليرسل له عشرة رجال. فاختار رجالاً، منهم كثير بن أبى كثير, ودخل كثير عليه، فسأله الحجاج: «ما اسمك؟ فأجابه: كثير, فسأله الحجاج: «ابن من؟» فقال كثير: «خفتُ إن قلتها بالواو لم آمن أن يتجاوزها», فأجابه: «أنا ابن أبا كثير»، وفيها لحن لأن الصحيح ابن أبي. فقال الحجاج: فقال: عليك لعنة الله وعلى من بعث بك، جيئوا فى قفاه، قال فأخرجت.

ودخل خالد بن صفوان التميمى على بلال بن أبى بردة، فحدّثه ولحن, ولمّا كثر لحنه على بلال، قال له: «يا خالد، تحدّثنى أحاديث الخلفاء، وتلحن لحن السقّاءات!». والسقاءات نساء يسقين الماء للناس.  فحرى بنا أن نفيق من غفوتنا وألا يأتى العام القادم قبل أن نتدارك ما وقعنا فيه من أخطاء مهلكة قد تأتى على هويتنا التى حافظ عليها السابقون, ونستجيب لشكوى لغتنا المستمرة, أو على الأقل نبدأ رحلة الإصلاح التى لا بديل عنها.

[email protected]