عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

 

 

كان يشغل منصبًا نصف مرموق، حين بلغ سن التقاعد وتخلى عنه كل شيء...الولد والبنت وانشغلا فى حياتهما بالزواج والعمل، الزوجة اصغر منه بأربع سنوات ومازالت تعمل، ومشغولة عنه بعملها ثم بالبيت وزيارة أهلها، هكذا وجد نفسه شبه معزول عن الحياة بمشاعر وحيدة تماماً، فكان يقضى نهاره بالبيت يحاول أن يشغل وقته بأى شيء، ولو بإعداد بعض الطعام وتنظيف المنزل، والقيام بأشياء لم يكن يقترب منها من شئون البيت، وكان هذا لا يرضى زوجته كثيرًا، التى رأت أنه صار يتدخل فى كل صغيرة وكبيرة مما يصيبها بـ«الخنقة» وكأن دخيلًا استولى على مملكتها الخاصة بها، وتراكمت عليه أمراض الدنيا وهو فى الواقع ليس مريضًا بشيء عضوى، فقط نفسيًا شعر بالعجز بعد أن فقد أهميته فى الحياة، وبدأ يشعر أن نوعًا من الشلل يصيب أطرافه، والغريب أن الشلل يفارقه إذا ما غادر المنزل لقضاء أى أمر من أمور الحياة.

وسعيت لأجله، ووجدت له عملًا قد يراه غيره غير لائق بمن كان فى مركزه، حتى أنى ترددت فى عرضه عليه رغم قناعتى التامة بأن أى عمل شريف ليس عيبًا، ولم أستغرب أنه قبل العمل بل وتعلق به تعلق الغارق بالقشة، ودب إليه نشاط غريب وهو يقوم بعمله الجديد كفرد أمن فى شركة للأمن، ومن ثم مشرف أمن يجوب الشوارع معظم الساعات على قدميه ليتفقد أفراد الأمن التابعين للشركة فى مواقعهم أمام البنوك والشركات، مسافات طويلة وجهد شاق كنت أشفق عليه منه، ولكنه كان سعيدًا بهذا العمل رغم أجره الزهيد، وعاد إليه نشاطه وابتسامته ومرحه، كما استعاد احترام زوجته وفقًا لما قاله لى، لأنه لم يعد كمًا مهملًا فى البيت عديم القيمة، وهو الشعور الذى سيطر عليه بعد التقاعد، والتمس له العذر، فاستسلام بعض كبار السن لتقدم العمر، يكون بداية النهاية بالنسبة لهم، إن لم يواجه تقدم العمر بالتفاعل مع الحياة، وممارسة أى أنشطة، الجلوس بالبيت والشعور بانعدام القيمة سيؤدى إلى المرض النفسى والفسيولوجى وتدهور الحالة الذهنية.

نعم فكل الأبحاث والدراسات العلمية والنفسية، تؤكد أن ممارسة أى عمل أو أى نوع من الأنشطة الاجتماعية والجماعية تحد من التدهور الصحى والذهنى لكبار السن، وأن اللياقة الذهنية لمن فوق الستين تعود إلى مستوى اللياقة لمن فى سن 46، إذا ما مارسوا أنشطة اجتماعية وجماعية، وإذا كانت الدولة تحت القيادة السياسية الواعية للرئيس عبدالفتاح السيسى قد أولت اهتمامًا كبيرًا توجه إلى رعاية الشباب، والاهتمام بهم، حيث يمثلون وفقًا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 20.6 مليــون نسمة أى ما يعادل نسبــة 21% من إجمالى السكان، وبوصف الشباب وقود الطاقة العاملة بالمجتمع وبناة المستقبل، وأنه على الشيوخ إفساح المجال وأماكن العمل للشباب، فهذا حق طبيعى تفرضه طبيعة الحياة من الإحلال والتجديد، ولكن لا يعنى هذا إطلاقًا إغماض العين عن ملف المتقاعدين وإلقاءهم على هامش الحياة، لينتظروا الموت فى كمد وحسرة، خاصة أن معاشات هؤلاء تمثل ضربة موجعة لهم فى شيخوختهم، فالمعاش لا يعادل حتى نصف ما كان يتقاضاه أى منهم من راتب أو أجر، فما بال المهانة والإهانة والإهمال والتهميش جزاؤهم فى الكبر، وقد أفنوا زهرة شبابهم وأهم سنوات عمرهم فى العمل الكفاح، والاحتراق كشموع تضحية لكل من حولهم.

لذا أطالب الدولة وكل الوزارات المعنية برفع ملف المتقاعدين من القاع، ووضعه على قمة الاهتمام على التوازى من الاهتمام بملف الشباب، وكما أشرت فى مقالى الأسبوع الماضى عدد المتقاعدين بمصر أكثر من تسعة ملايين رجل وسيدة، ينضم اليهم سنويًا أكثر من 20 ألف آخرين، أى نحو 10% من تعداد السكان، فلماذا لا يتم عمل مشروعات قومية كبرى، أو مشروعات متوسطة، أو حتى صغيرة ومتناهية الصغر لتشغيل هؤلاء، أولًا لإشعارهم أن قيمتهم وعطاءهم فى الحياة لم ينقطع بالمعاش، ثانيا لتحسين حالتهم النفسية وحمايتهم من الأمراض الناجمة عن عدم الحركة و«قعدة» البيت، ثالثًا لرفع مستوى دخلهم بما يوفر لهم حياة شبه كريمة، خاصة مع معاشهم الشهرى الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، وجعبتى مليئة بالأفكار والمشروعات الممكن تنفيذها والاستفادة فيها بخبرات الشيوخ وما تبقى لديهم من طاقة لا يجب إهدارها فى انتظار ملك الموت.

.. وللحديث بقية

 

[email protected]