رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

ربما يعد الناقد والكاتب الراحل كمال النجمى هو آخر المثقفين الكبار فى عالم الصحافة.. وأيضاً آخر المؤتمنين على الغناء، وبرحيله فى عام 1998 عن عمر 74 عاماً انتهى عصر الناقد المؤرخ لجماليات الغناء والمغنين فى مصر والعالم العربى.. وأصبح من بعده النقد فى المجال الموسيقى والغناء مجرد دردشات وحكايات عن حياة المطربين والمطربات!

ورغم أن النجمى ورث عن الده الشاعر «محمد حسن النجمى» كتابة الشعر بل وكان فى شبابه من الشعراء الواعدين والمتميزين، حيث كان ينشر شعره فى أربعينيات القرن الماضى بالصفحة الأولى بجريدة الأهرام مثله مثل على الجارم، وخليل مطران، وفاز ديوانه «الأنداء المحترقة»، بالجائزة الأولى لمجمع اللغة العربية عام 1951، وتسلم الجائزة من المفكر عباس العقاد.. ورغم ذلك ترك الشعر واتجه للعمل بالصحافة، فى صحف ومجلات مثل «الجمهور المصرى»، و«أبوالهول»، و«الفتح»، و«مصر الفتاة».. وغيرهم حتى استقر فى دار الهلال فى مجلة «المصور» منذ عام 1957، ثم عين رئيساً لتحرير «الكواكب» عام 1971، ثم رئيساً لتحرير «الهلال» عام 1982. وكانت مرحلة رئاسته للمجلتين من أفضل مراحلهما واحتلتا مكانة مرموقة بين المجلات العربية.

ولأن كمال النجمى، كصعيدى من قرية «أولاد نجم» فى نجع حمادى بمحافظة قنا، وكذواقة للموسيقى والغناء العربى الأصيل، لم يخش لومة لائم فى مواجهة موجة الأغانى الجديدة بداية السبعينيات، وكان من أوائل النقاد الذين أطلقوا عليها «الأغانى الهابطة».. ولكن الأهم من ذلك فأن النجمى ترك موسوعة علمية رصينة، فى تأريخ الموسيقى والغناء فى العصور القديمة والحديثة، ولا أعتقد أن المكتبة العربية تضم مثيلاً لها، وهى عبارة عن مجموعة كتب منها: «الغناء المصرى» و«أصوات وألحان عربية»، و«مطربون ومستمعون»، و«سحر الغناء العربى»، و«الموجة الجديدة وما بعد الثمانينيات»، وهى موسوعة تؤرخ لمسيرة الغناء المصرى من منتصف القرن التاسع عشر، حيث فن الدور والموشحات فى عصر عبده الحامولى، وألمظ ومحمد عثمان، وعبدالحى حلمى، ويوسف المنيلاوى إلى عصر أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم.. التى كانت فى رأيه: «أول مطربة عربية حقيقية أدت الغناء المتقن منذ انقطاع فن الغناء العربى بعد سقوط بغداد سنة 1258م، وكانت التقنية الغنائية لأم كلثوم هى المدرسة التى تعلمت فيها مطربات ما بعد عصر منيرة المهدية ومدرسة العوالم والغوازى القديمة المندثرة، وحددت طريقة أم كلثوم فى الأداء أصول الغناء العربى فى لهجته الجديدة التى كانت فى الحقيقة إحياء للهجة العربية التى طمستها عصور التدهور القومى والاجتماعى والسياسى والفنى والفكرى.

ولم يكتف كمال النجمى بما قدمه فى الغناء والموسيقى ولكن امتد دوره بتقديم تحليل علمى لأصوات كبار المقرئين، وبخاصة الشيخ محمد رفعت، والشيخ مصطفى إسماعيل، وعبدالباسط عبدالصمد، باعتبارهم سدنة دولة التلاوة المصرية الأصيلة.. ولا شك أن الساحة الثقافية تفتقر لشخصية نقدية مثل كمال النجمى، مثل افتقارها للإبداع فى كل المجالات.. فقد كان نموذجاً للناقد الذى تمكن، بإدراك ووعى، وبثقافة موسوعية، من الارتقاء بذوق المتلقى والمبدع معًا.. ولذلك من الأهمية إعادة طباعة إنتاج النجمى النقدى والفكرى لربما يمكن إنقاذ الجمهور والمبدعين الجدد من حالة الأمية الموسيقية والغنائية المنتشرة بينهما!