رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أبى كان عاشقًا لتراب الصعيد

بوابة الوفد الإلكترونية

رسالة من «السادات» فتحت له أبواب الإذاعة

السيدة نفيسة ألبسته طوقًا من الورد فى المنام ليظل قارئًا فى مسجدها حتى مماته

مصطفى إسماعيل كان ينادى خادمته: «هاتى يابنتى المصحف أحلف له إنى بحبه»

شيخ الأزهر يوفد ثمانية علماء لأستراليا لتدريس علوم القرآن بسبب مذكرة لوالدى

زملكاوى متعصب وفاروق جعفر صديقه.. والملك خالد يشيد بتلاوته

أسكتلندا منحته مفتاح مدينة «جلاسكو» وشارك الشيخ «عبدالباسط» حفلاً على مسرح «الأماندييه» بفرنسا

التليفزيون الألمانى أذاع خبر رحيله.. وصلاة الغائب فى أمريكا على روحه

كان حلمه الأول الجلوس أمام ميكروفون الإذاعة لينضم إلى عباقرة التلاوة، الذين حملوا آيات الذكر الحكيم عبر حناجرهم الذهبية وشنفت أصواتهم آذان المستمعين فى مختلف أرجاء العالم الإسلامى، حتى تحققت أمنيته وانطلق صوته عبر الأثير فى النصف الثانى من حقبة السبعينيات، توقع أهل قريته فى محافظة قنا أنهم على موعد مع «عبدالباسط جديد» فإذا بهذا الصوت الندى يلبس عباءة الشيخ «المنشاوى» إلى حد التقمص لسنوات عدة، إلى أن استقل بشخصيته القرآنية وتفرد بصوته، وقد ذاع صيت الشيخ فى كل مدن وقرى صعيد مصر حتى انهالت عليه الدعوات ليحيى ليالى شهر رمضان والمناسبات الدينية المختلفة، ولم تقتصر شهرته على الوجه القبلى فقط بل تم توجيه الدعوات إليه لإحياء بعض الأمسيات الدينية والاحتفالات بمولد السيدة زينب وسيدنا الحسين، وكان التوفيق حليفه، ونال إعجاب وحب الجميع فى كافة أنحاء مصر حتى التقى بقدوته الشيخ عبدالباسط عبدالصمد الذى ساعده كثيراً فى دخول الإذاعة وأمره أن يستقر فى القاهرة فنزل التلميذ على أمر أستاذه.

«الوفد» التقت محمد أحمد الرزيقى (خريج بكالوريوس سياحة وفنادق) ويعمل فى السياحة وحالياً فى مجال الإلكترونيات والتكنولوجيا، وهو نجل عبقرى التلاوة الشيخ أحمد الرزيقى وترتيبه السادس قبل الأخير فى أولاد الشيخ، ومن المعلوم أن الشيخ رُزق بسبعة أولاد هم: (سحر، وفاطمة الزهراء، وناهد، ومنال، ويمنى، ومحمد، وهبة) ولديه 12 حفيداً، الابن يروى ذكرياته عن والده فى هذا الحوار:

النشأة والميلاد

فى البداية يقول محمد الشحات أحمد الرزيقى، نجل مهندس التلاوة المصرية: والدى رحمه الله من مواليد 28 فبراير عام 1938م فى قرية «الرزيقات قبلى» مركز أرمنت بمحافظة قنا فى صعيد مصر، وكان ترتيبه الثانى بين إخوته، حيث كان له خمسة من الإخوة هم: (الأكبر محمد وكان موظفًا فى الرى، ثم والدى، وفوزى وكان قارئًا وصوته جميل جدًا ويخجل من القراءة أمام والدى، ثم عم عبدالباسط وعم عبدالله وكان مهندسًا واحترف القراءة وسافر إلى فرنسا والجابون وعدة دول أخرى وأخيراً عمى عبدالخالق وهو الوحيد الذى ما زال على قيد الحياة، بالإضافة إلى اثنتين من البنات) ونشأ فى أسرة متوسطة الحال، فوالده رحمه الله كان مزارعًا، والتحق بالمدرسة الابتدائية بالقرية، وفى أحد الأيام وهو ذاهب إلى المدرسة مر على تجمع لأهل القرية حول منزل الحاج الأمير التاجر الشهير بالرزيقات ليستمعوا إلى قراءة ابن قرية «المراعزة» المجاورة لقريتهم وهو الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وسمع الناس يفتخرون بابن مركزهم، ومن يومها اتجه إلى الكتاب واتخذ قراره بحفظ القرآن الكريم واستأذن شيخ الكتاب الشيخ محمود إبراهيم وجلس مع أقرانه، حتى مرت أسابيع وفوجئ والده بخطاب إنذار بالفصل لنجله الذى تغيب عن المدرسة، وحينما عاد والدى سأله جدى عن سر انقطاعه فعلم منه أنه اتخذ قراره بأن يغير مسار حياته ويهب نفسه لحفظ كتاب الله، ووافقه جدى وشجعه على حفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى معهد تعليم القراءات ببلدة «أصفون المطاعنة» القريبة من قريته الرزيقات قبلى، حيث تعلم التجويد والقراءات السبع وعلوم القرآن على يد الشيخ محمد سليم المنشاوى أحد علماء القراءات فى الصعيد ومصر كلها، وهو الذى علم الشيخ عبدالباسط القراءات أيضاً، والشيخ محمد صديق المنشاوى. ومن المعلوم أن أهل قريتنا من حفظة القرآن، وهناك ابن خال والدى الشيخ محمد طه الرزيقى فى كوم أمبو وهو من القراء الكبار أيضاً ومازال على قيد الحياة.

بعدها ذاع صيت والدى الشيخ أحمد الرزيقى فى مدن وقرى الوجه القبلى وانهالت عليه الدعوات ليحيى ليالى رمضان وتم توجيه دعوات كثيرة له لإحياء بعض الأمسيات الدينية والاحتفالات بمولد السيدة زينب وسيدنا الحسين، وتردد اسمه فى مجالس علية القوم من المشاهير فى هذه الفترة ونال إعجاب وحب الجميع حتى التقى بقدوته وأستاذه الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والدى فى الصعيد وكان يقرأ مع الشيخ عبدالباسط والشيخ محمد صديق المنشاوى فى مولد سيدى أبى الحجاج الأقصرى، وأصبحوا أصدقاء، حتى عرض عليه الشيخ عبدالباسط النزول إلى القاهرة والاستقرار فيها.

إلى القاهرة

ويضيف «محمد» نجل الشيخ أحمد الرزيقى: ذهب والدى إلى القاهرة عام 1966 بصحبة العارف بالله الشيخ أحمد رضوان وكان عالمًا كبيرًا، وأول شىء يتجه إليه فى القاهرة كان يبيت فى فندق «رضوان» بمنطقة الحسين، وارتبط كثيراً بمسجد السيدة نفيسة رضى الله عنها، وكان قارئ المسجد وقتها الشيخ محمود عبدالحكم وفى إحدى الليالى طلبوا منه التلاوة فى السيدة نفيسة، إلا أن الشيخ «عبدالحكم» واصل القراءة ونسى «أبى»، ولم يتمكن من القراءة وقتها فأحس بالضيق لنسيانه وذهب للفندق، وشعر بأن فرصته انكسرت، وفى الليلة نفسها رأى السيدة نفيسة فى المنام، وهى تتحدث إليه بأنه سيقرأ فى مسجدها وألبسته طوقا من الورد، حتى شاءت الأقدار أن يتوفى الشيخ محمود عبدالحكم فى أول الثمانينيات وكان أبى وقتها قارئاً لمسجد السيدة عائشة فتم ترشيحه لمسجد السيدة نفيسة، وارتبط بها كثيرًا، وعند وفاة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد طلبوا منه أن يكون قارئًا لمسجد سيدنا الحسين فرفض وقدم اعتذارًا مكتوبًا لوزير الأوقاف وقتها وعبر الصحف لارتباطه بالسيدة نفيسة.

الإذاعة

وعن التحاق الشيخ الرزيقي –رحمه الله- بالإذاعة قال نجله: والدى قرأ أمام فريد باشا زعلوك والأستاذ نبيل فتح الباب وأعجبا بتلاوته وأدائه وكتب له فريد باشا خطابا للشاعر محمود حسن إسماعيل مراقب الشئون الدينية والثقافية بالإذاعة وقتها لكنه لم يذهب بالخطاب إلى الإذاعة مباشرة، وفى عام 1967 حضر للقاهرة ومعه الرسالة وذهبا إلى الإذاعة، فأخذ من الرسالة وأبلغه بأن هناك قرارًا بعدم انعقاد اللجنة إلا بعد إزالة آثار العدوان، فعاد للبلد مرة أخرى يقرأ فى كل بلاد الوجه القبلى والبحرى، وعندما وقع نصر أكتوبر كتب «أبى» رسالة إلى الرئيس السادات، رحمه الله، بخصوص تأخر اعتماده قارئًا للقرآن الكريم بالإذاعة المصرية وقد تمت إزالة آثار العدوان ولم تستدعه اللجنة، ولم يكن يتوقع والدى أن الرئيس «السادات» –رحمه الله- سيرد عليه ليخبره بأنه اتصل بالإذاعة وأن موعد اختبار «الرزيقى» قد اقترب، وبالفعل ركب والدى أول قطاروتوجه إلى الإذاعة للاختبار، لكن اللجنة وقتها وكانت تضم الشيخ محمد الغزالى والشيخ رزق خليل حبة والموسيقار أحمد إسماعيل رأت أن تمهله 6 أشهر عاد بعدها واعتمد قارئًا فى الإذاعة، وكان قد حصل على تقدير امتياز عام 1975 لينطلق صوت والدى عبر أثير الإذاعة المصرية ليدوى فى أنحاء العالم.

ارتباطه بالصعيد

ويضيف نجل الشيخ «الرزيقى»: والدى ارتبط بالصعيد جداً لدرجة أنه كان يعتذر عن عدم السفر للخارج لارتباطه بحفلات فى سيدى عبدالرحيم

القنائى أو أبوالحجاج الأقصرى، وكان يزور القرية بمعدل شهر وأسس مسجدًا كبيرًا بالقرية، وبعد إنشائه سلمه لوزارة الأوقاف، وقد كان يقول دائمًا: «أنا عاشق لتراب الصعيد وكان حريصًا على ذكر الصعيد فى أى مكان فى العالم، ولم يغير لهجته الصعيدية، ورفض انفصالنا عن الصعيد، ومن أبرز يومياته أنه كان يشاهد نشرات الأخبار ويحب الاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم وإذاعة جنوب الصعيد، ويحب ليالى بورسعيد والإسكندرية وكفر الشيخ والشرقية، كما كان زملكاويًا متعصبًا وعضوًا فى نادى الزمالك، وكل الزملكاوية كانوا أصدقاءه خاصة فاروق جعفر الذى كان يحبه جدًا، ولم أر والدى يبكى إلا عند وفاة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد تأثرًا به وحزنًا عليه لافتقاد صديق عمره وأستاذه ومعلمه وقد بكى قبل ذلك عند وفاة والدته أيضاً.

سفرياته

وعن سفرياته قال نجل مهندس التلاوة القرآنية: والدى الشيخ الرزيقى لم يترك بلدًا عربيًا ولا دولة إسلامية ولا أجنبية إلا وذهب إليها، فقد سافرت معه إلى أسبانيا والمغرب والسعودية وقطر والإمارات، وذهب إلى إنجلترا «14» مرة وألمانيا «5» مرات وعاش «5» سنوات فى قطر مع الشيخ محمد الغزالى، ورفض أن يقيم إقامة دائمة فى سلطنة عمان ليكون قارئ مسجد السلطان قابوس وفى عام 2002 ذهب لإحياء ليالى رمضان فى لبنان بدعوة من الشيخ حسن نصر الله، وقدم له الأمير دياب بن الشيخ زايد دعوة لعمل مركز إسلامى لتحفيظ القرآن والقراءات، وكلف الشيخ بذلك وأصر على إقامته بالصعيد فاتفق وقتها مع اللواء سمير يوسف محافظ أسوان على التبرع بقطعة أرض ووضعوا حجر الأساس إلى أن تم إنشاؤه، وقد فوجئت قبل وفاة والدى بسنتين بحالة نشاط غير عادية، حيث أعاد زيارته للعالم مرة أخرى فذهب لهولندا وأسبانيا وتركيا وألمانيا وجنوب أفريقيا وسويسرا والنمسا وإيران فشعرت بأنه كان يودع العالم.

علاقته بالمشايخ والرؤساء

ويضيف نجل الشيخ «الرزيقى»: كان والدى رحمه الله يعترف بفضل الشيخين الكبيرين مصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد، فكان يصطحب الأول فى حفلاته الخارجية وكان الشيخ «الرزيقى» إذا زار الشيخ مصطفى إسماعيل فى بيته ينادى الخادمة قائلًا لها:«هاتى يا بنتى المصحف أحلف له إنى بحبه» أما الشيخ عبدالباسط فهو الرفيق الذى قدمه للجمهور فى الإسكندرية على أنه اكتشافه وطالت العشرة بينهما وتعددت النوادر بينهما أما علاقته ببعض بالملوك والرؤساء فكانت طيبة جدًا، خاصة الملك خالد بن عبدالعزيز ملك السعودية الذى أشاد بتلاوته وإجادته لمخارج الحروف وكذلك الملك الحسن ملك المغرب، فضلاً عن علاقته بالرئيس السادات الذى كان سببًا فى التحاقه بالإذاعة، كذلك كانت علاقته جيدة بالرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وقد حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديرًا لدوره فى خدمة القرآن الكريم 1990 لكنه كان يعتبر حب الناس له هو أرفع وسام حصل عليه، وقد شغل منصب الأمين العامن لنقابة محفظى القرآن، وقد كان سبباً فى إيفاد ثمانية علماء لتدريس علوم القرآن فى أستراليا وأهم المشكلات التى تواجههم هناك للحفاظ على هويتهم بعد أن قدم مذكرة للإمام الأكبر جاد الحق عن وضع المسلمين فى أستراليا، وقد كان يدخل الإسلام أكثر من 150 فردًا على يديه يومياً فى لندن، وفى فرنسا حضر مع الشيخ عبدالباسط عبدالصمد مهرجان «الأيام الموسيقية العربية على مسرح الأماندييه» وما إن بدأ فى تلاوة القرآن حتى امتلأ المسرح عن آخره وأغلبهم كانوا فرنسيين مسلمين، وقد تم تكريمه فى أسكتلندا وحصل على مفتاح مدينة «جلاسكو» وقتها.

النهاية

يقص نجل الشيخ الرزيقى رحلة وفاة والده قائلًا: أحيا آخر ليلة قرآنية فى أرمنت الوابورات وكان معه الشيخ عبدالباسط عبدالصمد فى هذه الليلة، وبعدها عاد إلى الأقصر فى أرمنت، حيث مسقط رأسه ورفض العودة إلى القاهرة، وشعرت إحدى بناته بأنه مريض وتمنى من الله أن يتوفاه يوم الخميس ويدفن يوم الجمعة، وبالفعل شاءت الأقدار أن يفارق الحياة بعد صلاة المغرب ودفن فى الصعيد، وقد أذاع التليفزيون الألمانى خبر وفاته وتمت صلاة الغائب عليه فى أمريكا.

وفى الختام وجه نجل الشيخ الرزيقى رسالة إلى المسئولين قائلاً: لدينا قراء مثلوا مصر فى جميع أنحاء العالم كسفراء للقرآن الكريم، وكنت شاهدًا على استقبال هؤلاء القراء فى الدول بالخارج وكانوا يعاملون معاملة الملوك والرؤساء، ولذلك أتمنى المحافظة على تراث هؤلاء القراء، فالإذاعة الآن تحتاج إلى إعادة ترتيب أوراقها فى إذاعة المصحف المرتل للقراء، فللأسف إلى يومنا هذا ما زال الخمسة الكبار تتم إذاعة قراءاتهم والبقية لم يأخذوا نفس الفرصة، خاصة أن هناك قراء هم امتداد لهذا الجيل وعاصروهم، وأوجه الشكر للإذاعى عبدالعزيز عمران الذى حافظ على التراث والقراءات وبذل مجهودًا كبيرًا وبحث فى الأرشيف عن قراءات هؤلاء.