رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

تشهد المنطقة العربية محاولات متكررة لإعادة رسم خرائطها، بما يعيد للأذهان اتفاقية «سايكس بيكو» أوائل القرن العشرين التى ظننا أنها نهاية الاستعمار القديم، لكننا فوجئنا خلال حرب الإبادة على غزة أن القوى الاستعمارية تعود أكثر شراسة سواء بالتدخل المباشر أو عبر ذراعها ووكيلتها إسرائيل.

إن التدخلات الخارجية التى استهدفت الدول العربية منذ بداية الألفية تحت مسميات «نشر الديمقراطية» أو «حماية الأقليات»، كانت تخفى فى جوهرها مخططات لتفتيت دول المنطقة وتحويلها إلى كيانات صغيرة ضعيفة يسهل التحكم بها سياسيًا واقتصاديًا، وظهرت نتائج هذه السياسات بوضوح فى عدة دول. لقد تحول العراق بعد الغزو الأمريكى عام ٢٠٠٣ إلى ساحة صراع طائفى وعرقى، مع محاولات مستمرة لفرض الانفصال فى الشمال عبر إقامة دولة كردية. كما تحولت سوريا التى أنهكتها الحرب منذ ٢٠١١ إلى كعكة لقوى خارجية بهدف تقسيمها إلى عدة دويلات، وتُعد محاولة فصل السويداء بضغوط إسرائيلية مثالًا صارخًا على حالة الهوان التى وصل إليها العرب. أما ليبيا فقد انقسمت فعليًا بين شرق وغرب وجنوب، بينما اليمن ما زال يعانى صراعًا يهدد بعودة التقسيم بين شماله وجنوبه.

هذه الأمثلة تؤكد أن الاستعمار لم يختفِ كما توهمنا، بل عاد بوجه جديد. لم يعد يحتاج إلى أساطيل بحرية ضخمة، بل يكفيه الإعلام، والشركات متعددة الجنسيات، والتمويل السياسى، والتدخل العسكرى المباشر حين يستدعى الأمر، والهدف من ذلك هو إضعاف الدول الوطنية العربية واستنزاف ثرواتها.

لكن وسط هذه المشاهد القاتمة والمؤلمة، تبقى مصر حالة مختلفة تمامًا. ففكرة تقسيمها ليست صعبة فقط، بل مستحيلة لعدة أسباب، أبرزها وحدة الأرض والتاريخ. فقد ظلت مصر عبر آلاف السنين كيانًا واحدًا متماسكًا يجمعه نهر النيل من الجنوب إلى الشمال، ولم تعرف التقسيم ولا التفتيت حتى فى فترات ضعف السلطة فى بعض المراحل التاريخية.

وعلى عكس دول أخرى تتعدد فيها الأعراق والطوائف بشكل واسع، يتميز الشعب المصرى بدرجة عالية من الاتحاد. فالمسلمون والمسيحيون عاشوا دائمًا فى نسيج واحد، ولم يظهر بينهم مشروع انفصال عبر التاريخ.

كما أن الموقع الاستراتيجى ووجود قناة السويس يجعلان من مصر مركزًا حيويًا لا يمكن تمزيقه، لأن أية محاولة لتقسيمها ستعنى تهديدًا مباشرًا للتجارة العالمية، وهو أمر لن تسمح به القوى الكبرى نفسها.

ويأتى على رأس أسباب استحالة تقسيم الدولة المصرية، أن المؤسسة العسكرية فى مصر ليست مجرد جيش، بل هى ركيزة أساسية فى بناء الدولة الحديثة. لقد كان الجيش حاضرًا عبر التاريخ الحديث فى حماية وحدة البلاد واستقرارها، وهو اليوم المؤسسة الأكثر تماسكًا فى مواجهة أى تهديد.

يضاف إلى ذلك وعى الشعب المصرى، حيث ظل شعار الوحدة حاضرًا فى كل المراحل التاريخية المفصلية، من ثورة ١٩١٩ وحتى التحديات الإقليمية الحالية التى تحيط بالدولة المصرية من كل جانب. فالشعب يرفض أى حديث عن التقسيم، ويقف بوضوح فى وجه أية محاولات خارجية للتأثير على نسيجه الوطنى.

من هنا يمكن القول إن مشروع تقسيم الدول العربية قائم بالفعل فى بعض البلدان، وهو جزء من عودة الاستعمار القديم فى ثوب جديد. لكن مصر، بتاريخها وجغرافيتها وجيشها وشعبها، تظل خارج هذا المخطط. وربما لهذا السبب تحديدًا تتعرض دائمًا لحملات ضغط وتشويه، لأن القوى الاستعمارية تدرك أن بقاء مصر قوية وموحدة يعنى أن فكرة الوطن العربى ما زالت ممكنة، وأن أحلام التفتيت الكامل لدول المنطقة لن تتحقق على أرض الواقع.