رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

قضية ورأى

لست متفائلا بقيادة الإعلام للأزمة الدبلوماسية بين مصر وبريطانيا، فشحن الشارع، المشحون أصلا ضد الغرب الداعم على طول الخط لإسرائيل، ربما ستكون له تداعيات نحن فى غنى عنها.

وربما يصلح الخطاب الشعبوى مع دولة ولا يصلح مع أخرى.. كما أن حبال الدبلوماسية طويلة، ويجب أن نتمسك بها خصوصا أن أعداء مصر كثر، وأمننا القومى يسترعى التركيز فى ملفات إسرائيل وإثيوبيا والإرهاب.

والخطاب الشعبوى هو واحد من أكثر الظواهر السياسية إثارةً للجدل فى التاريخ المعاصر، فهو خطاب قادر على تحريك الجماهير، وبعث الأمل فى نفوس البسطاء، لكنه فى الوقت ذاته يحمل فى داخله بذور الخطر على استقرار المجتمعات، إذ يقوم على استدعاء الانفعالات والعواطف أكثر مما يقوم على التحليل العقلانى.

ولا شك أن سلسلة الاعتداءات على السفارات المصرية فى لندن وأمستردام ونيويورك، تستدعى ردا مصريا خصوصا أن التزامن بينها يكشف تنسيقا بين مرتكبيها لتشويه صورة الدولة المصرية.. لكن الخلاف هنا ليس على الرد المصرى ولكن على تحويله من رد دبلوماسى إلى مواجهة شعبية كاملة.

ولا تحتاج الثقافة المصرية الرافضة لأى ميزة بريطانية، إلى الشحن أصلا، إذ يكفى قراءة تاريخ القرنين الماضيين، حتى تكون مشحونا ضد بريطانيا.

فطوال نحو 150 عاما كانت بريطانيا هى الصياد ومصر هى الفريسة، منذ حملة فريزر 1807 حتى جلائهم وحليفتهم إسرائيل بعد العدوان الثلاثى فى مارس 1957.

ولا يبرز مبنى السفارة البريطانية فى القاهرة المغلق حاليا، كمبنى دبلوماسى عادى، وإنما كرمز بالغ الدلالة على حقبة امتدت من الاحتلال والهيمنة إلى أفول نجم بريطانيا كقوة حاكمة فى مصر والعالم.

الآن، لا نحتاج إلى اقتراحات شعبوية من نوعية حصار مبنى السفارة بالإشغالات والباعة الجائلين، وإنما إلى خطاب دبلوماسى واضح نصطف خلفه دعما للدولة المصرية التى تواجه معارك متعددة على جبهات واسعة.

والغالبية من المصريين أصبحت تدرك خطط الغرب تجاه المستعمرات القديمة، خصوصا لندن تجاه الشرق الأوسط وثرواته التى أصبحت بعيدا عنها.

كان البريطانيون هم أول من ساعد حركة الإخوان المسلمين والمرشد حسن البنا عام 1928، حتى يكسروا بالخطاب الدينى الخطاب الوطنى وشعبية حزب الوفد.. فالاستعمار دائما ما يعمل بمبدأ فرق تسد.

والبريطانيون هم من مكنوا العصابات الصهيونية فى فلسطين، ولم يخرجوا منها إلا وهم متأكدون من هذا التمكين.. بل وساعدوهم ضد الجيش المصرى فى حرب 1948.

ومن يقرأ فى تاريخ الحرب، سيدرك كيف كانت ثكنات الجيش البريطانى فى قناة السويس، وبالا على الجيش المصرى فى فلسطين.

وطوال عهد الرئيس مبارك، كنت أستغرب من تبنى لندن للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين، ومنح القيادات المبعدة أو الهاربة من مصر، تأشيرات دخول وإقامة وتسهيلات مالية، وكان أشهرهم إبراهيم منير.. لكن أوراق السياسة كثيرة دائما.

فقد استخدم الغرب، سياسيين كثيرين المصالحة، وكانت إذاعة «البى بى سي» صوتا يستخدم للتأثير الشعبى.

والآن.. بعد التقارب المصرى التركى، فإن لندن هى البديل أمام مطاريد الإخوان.. باعتبارها المركز الدولى للتنظيم منذ عقود.

وهنا مكمن الخطر.. فالقضية أعمق من خطاب شعبوى، يجرنا إلى مواجهة نحن فى غنى عنها.