رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

رؤية

يقف العالم كله أمام مجاعة غزة متفرجًا، كأن الأمر مشهد معتاد وعابر وليس حياة يومية قاسية يعيشها أكثر من مليونى إنسان محاصر بدون طعام ولا ماء ولا دواء. يبدو العالم كأنه فاقد الذاكرة وينسى القاعدة المعروفة التى تؤكد أن «التاريخ لا يرحم». يتجاهل حقيقة أن كل المجازر والخيانات والحروب فى الماضى لم تسقط من الذاكرة، وبقيت شاهدًا على العار وعلى سقوط الإنسانية حين تتخلى عن أبسط مبادئها. لا يدرك العالم أن صور الأطفال النحيلة من الجوع، وأصوات الأمهات اللواتى لا يجدن لقمة يقدمنها لصغارهن، ستظل شاهدة على أن البشرية وقفت صامتة، بينما يموت الناس جوعًا وقتلًا فى أسوأ إبادة جماعية شهدها العصر الحديث.

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تأسست الأمم المتحدة ورفعت شعارات العدالة الدولية وحماية المدنيين وحقوق الإنسان. لكن غزة كشفت زيف هذه الشعارات تمامًا، وأسقطت أى معنى لما يسمى بالقانون الدولى. كيف يمكن لمنظمة أممية تمتلك ميثاقًا وقوانين وأجهزة أن تعجز عن وقف المجاعة، أو على الأقل إدخال مساعدات كافية؟ كيف يمكن لمجلس الأمن والجمعية العامة والمحكمة الجنائية الدولية أن تشاهد الحصار والقتل والتجويع ثم تكتفى بالبيانات؟ لقد مات القانون الدولى فى غزة، وانكشف عجز المؤسسات الأممية إلى الأبد، وبات من المستحيل أن يصدِّق أحد بعد اليوم أى خطاب يتحدث عن «المجتمع الدولي».

لا يقتصر عار مجاعة غزة على الغرب أو على القوى الكبرى التى تدعى الدفاع عن حقوق الإنسان، بينما تدعم الاحتلال الصهيونى الوحشى بالمال والسلاح والغطاء السياسى. إن العرب والمسلمين أيضًا يتحملون مسئولية لا تقل فداحة. فقد اكتفوا بالبيانات الدبلوماسية والاجتماعات الشكلية، بينما يموت الناس جوعًا على مدار اليوم. صحيح أن بعض الدول أرسلت مساعدات، لكن ما وصل لم يكن سوى قطرة فى بحر، لا تسد رمق مدينة صغيرة، فكيف بقطاع كامل يعيش تحت قصف متواصل وحصار خانق؟ 

 

سيكتب التاريخ أن الأمة التى تمتلك المال والثروات وقوة التأثير وقفت عاجزة، وأنها تركت غزة وحدها تواجه التجويع والإبادة.

إن الصمت أمام هذه المأساة ليس موقفًا محايدًا كما يظن البعض، بل هو مشاركة فعلية فى الجريمة. كل دقيقة يتأخر فيها إدخال الغذاء أو الدواء، تعنى سقوط ضحايا جدد من الأطفال والنساء والمرضى. كل دولة تملك القدرة على الضغط ولم تفعل، شريكة فى الجريمة. كل مؤسسة دولية تملك الشرعية القانونية ولم تتحرك، شريكة فى الجريمة. كل من يرفع شعارات الإنسانية ويتجاهل غزة، شريك أيضًا فى الجريمة. هذه ليست مبالغة، بل حقيقة ستسجلها صفحات التاريخ بأقسى العبارات.

قد يظن البعض أن هذه المجزرة ستُنسى مع الوقت، وأن الصور البشعة ستختفى، وأن الأجيال القادمة ستنشغل بقضايا أخرى، لكن هذا وهم، لأن التاريخ لا ينسى. كل جريمة من هذا النوع تبقى محفورة فى الذاكرة الجمعية. سيأتى يوم يُسأل فيه العالم: أين كنتم عندما جاع وأبيد أهل غزة؟ أين كانت الأمم المتحدة؟ أين كانت الحكومات العربية والإسلامية؟ وأين كان ضمير الإنسانية؟ لن يسقط هذا السؤال بالتقادم. سيبقى يطارد الجميع، وسيفرض حسابه مهما طال الزمن.

إن ما يجرى اليوم ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل لحظة فاصلة فى تاريخ البشرية، لحظة سقوط القانون الدولى والمؤسسات الأممية، ولحظة فشل العرب والمسلمين، ولحظة صمت العالم أمام الجوع والدم. والحقيقة المؤكدة هى أن زمن الحساب سيأتى مهما تأخر، وحينها سيدرك العالم كله أن الصمت على الجوع والدم لم يكن حيادًا، بل جريمة، وأنه لا يمكن مسحه من ذاكرة الشعوب، ولا من صفحات التاريخ.