من دروس الهجرة النبوية.. كيف أسس النبي ﷺ الدولة المسلمة؟
مع حلول عام هجري جديد، تتجدد في الوجدان الإيماني دروس الهجرة النبوية الشريفة، التي لم تكن مجرد انتقال من مكة إلى المدينة، بل كانت نقلة حضارية وبداية فعلية لبناء أول دولة إسلامية على أسس من العقيدة والعدل والمواطنة.
وفي هذا السياق، أكد فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الهجرة النبوية تمثل نقطة التحول الكبرى في تاريخ الإسلام، حيث بدأت مرحلة التطبيق العملي لمبادئ العقيدة، وانتقل المسلمون من حال الاضطهاد والضعف إلى التمكين والتنظيم.
الهجرة: إعداد إلهي وتنفيذ إنساني
قال الدكتور هاشم إن الهجرة جاءت بأمر من الله عز وجل، بعد أن استنفد النبي ﷺ كل وسائل الدعوة السلمية في مكة، وأصبح الأذى يشتد على المسلمين.
وهنا بدأت مرحلة التخطيط الدقيق، فالهجرة لم تكن عشوائية، بل كانت درسًا في الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فاختار النبي ﷺ صاحبه أبو بكر الصديق، وأعد راحلتين، واتجه جنوبًا نحو غار ثور، خلافًا للطريق المعتاد، وظل فيه ثلاثة أيام، ثم واصل المسير إلى المدينة المنورة.
يؤكد هاشم أن هذا المشهد يُعلِّمنا أن بناء الدولة يبدأ من الإيمان والتخطيط معًا، فلا تعارض بين الإيمان بالله، والعمل بالأسباب العلمية والعملية.
بناء الدولة على أسس قوية
ما إن وصل النبي ﷺ إلى المدينة، حتى بدأ في تأسيس دولة الإسلام، وقام بعدة خطوات محورية، بحسب ما ذكره دكتور أحمد عمر هاشم:
1. بناء المسجد النبوي
كان أول ما فعله النبي ﷺ هو بناء المسجد، ليكون مركزًا للدين والتعليم والإدارة والتشاور. ولم يكن المسجد مجرد مكان للعبادة، بل منصة لإدارة شؤون الدولة وبناء المجتمع.
2. المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
قال د. هاشم: "بهذه المؤاخاة، أسّس النبي ﷺ أول مجتمع متماسك، قائم على المحبة والتكافل، لا على القبيلة أو العِرق أو النسب"، لقد تذوّق المجتمع لأول مرة روح الأخوة الإيمانية التي تخطت العصبيات الجاهلية.
3. وثيقة المدينة
قام النبي ﷺ بوضع دستور المدينة، أو ما يُعرف بـ"الصحيفة"، والتي نظّمت العلاقة بين المسلمين واليهود والمشركين، وأسّست لمبدأ المواطنة والتعايش السلمي، وهو ما وصفه هاشم بأنه سبق إنساني كبير في مجال العلاقات المدنية والسياسية.
من الدعوة إلى الدولة
يرى الدكتور أحمد عمر هاشم أن الهجرة كانت هي البداية الحقيقية لمرحلة الدولة الإسلامية، حيث تحول الإسلام من دعوة في مجتمع محدود، إلى كيان منظم، له جيش واقتصاد ونظام قضائي ودستوري.
وأضاف فضيلته:"الهجرة علمتنا أن الدعوة تحتاج إلى وطن، وأن الدولة تحتاج إلى إيمان، وأن كليهما لا يتحقق إلا بالصبر، والتضحية، والتخطيط".