رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

الهجرة النبوية.. علي جمعة يكشف سر أخوّة المهاجرين والأنصار

بوابة الوفد الإلكترونية

الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن المدينة المنورة شهدت تحولًا جذريًا في الروح العامة فور قدوم النبي ﷺ إليها، حيث سرت فيها روح المحبة والمودة، وتجلى ذلك في أعظم صور الإيثار والأخوة التي سطّرها التاريخ بين المهاجرين والأنصار.

وأوضح فضيلته، عبر منشور رسمي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أن رسول الله ﷺ حين نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان كل أنصاري يتخذ لنفسه أخًا من المهاجرين، يتكفل بإيوائه ورعايته ومشاركته في ماله وسكنه، في صورة نادرة من صور التضحية والكرم الخالص.

«وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ»

واستشهد جمعة بقول الله تعالى:﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 63]، مؤكدًا أن هذا التأليف هو معجزة ربانية، أوجدها الله تعالى في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم، بتجردهم من الأهواء واتباعهم لنور الرسالة.

كما نقل عن ابن إسحاق أنه قال: «آخى رسولُ الله ﷺ بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال: تآخوا في الله أخوين أخوين»، في دلالة على أن هذه الأخوّة لم تكن عاطفية فقط، بل عقدًا اجتماعيًا وروحيًا لبناء أمة متماسكة.

مثال نادر في الإيثار: سعد وعبد الرحمن

ومن الأمثلة المؤثرة التي أوردها فضيلته في حديثه، ما وقع بين الصحابيين الجليلين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهما، حين قال له سعد: «يا عبد الرحمن، أنا أكثر أهل المدينة مالًا، وأقلهم عيالًا، فانظر أي شطر من مالي شئت فخذه، وانظر إلى امرأتي هاتين أيتهما تعجبك حتى أطلقها وتتزوجها». لكن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه شكره وقال: «بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق»، ثم اجتهد في التجارة حتى رزقه الله خيرًا كثيرًا.

وأكد جمعة أن هذا النموذج ليس تعبيرًا عن سذاجة كما يظن البعض، بل هو قمة النضج الروحي الذي تخلّى فيه الصحابة عن التعلق بالمادة، وتجاوزوا الفردية إلى معاني التعاون والتكافل والرحمة.

إيثار بلا شروط

وتابع الدكتور علي جمعة، موضحًا أن هذه الروح تجلت في القرآن الكريم، حيث أثنى الله تعالى على الأنصار بقوله:
﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9]، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الإيثار لا يمكن فهمه إلا بنور المحبة الصادقة.

الحب معيار الفهم الصحيح

ووجّه جمعة نقدًا ضمنيًا لمن يعجزون عن استيعاب هذه الصور النقية من التضحية، قائلًا إنهم «خلعوا نظارة الحب، ولبسوا مكانها نظارة العصبية وتحكيم المصالح»، فرأوا في فعل سعد سذاجة، وفي عرضه لزوجتيه على أخيه عدم رجولة، بل وصل بهم الأمر إلى وصفه بتحقير المرأة.

ورد جمعة على هذا الفهم بأن سببه الأساسي هو غياب الحب من قلوب هؤلاء، فهم فقدوا القدرة على النظر بنظرته، ومن ثمّ عجزوا عن فهم ما جرى بين الصحابة، لأنهم ببساطة لا يرون العالم إلا من خلال نظارة المصلحة والمادية.

 حاكموا الحب لا الصحابة

وختم فضيلته منشوره بقوله: «قولوا لمن أساء فهم حوادث الحب بين الصحابة: حاكموا الحب وسائلوه. فإنكم لما افتقدتم هذا الحب في حياتكم صار عليكم غريبًا عجيبًا مستصعبًا فهمه، وبفقدكم للحب فقدتم كل معنى للحياة، وقست قلوبكم، وتنطعت أفكاركم، وتجمدت عقولكم وأرواحكم».