من دروس الهجرة.. علي جمعة: النبي علَّمنا كيف نفهم النص ونبني الإنسان

في خطبة الجمعة التي ألقاها بتاريخ 6 ديسمبر 2008 تحت عنوان "دروس الهجرة"، وجّه الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، دعوة للتأمل العميق في معاني الهجرة النبوية، لا باعتبارها مجرد حدث تاريخي مضى، وإنما كمنهج ممتد لصناعة الإنسان المسلم الواعي والمستنير.
وأكد جمعة عبر صفحتهالرسمية على موقع الفيسبوك،أننا على أعتاب عام هجري جديد، وهي فرصة لمحاسبة النفس والتأمل في دروس الهجرة النبوية، التي وصفها بأنها "مدرسة متكاملة لتشكيل العقل والوجدان"، مشددًا على أن النبي ﷺ ترك الأمة على "المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"، بعد أن بلغ عن ربه رسالة الرحمة، واصفًا إياه بـ "الإنسان الكامل والأسوة الحسنة" كما جاء في قوله تعالى:﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [الأحزاب: 21].
الهجرة.. مفهوم متجدد لا يتوقف
وأضاف الدكتور علي جمعة أن من أعظم ما نتعلمه من الهجرة هو أن النبي ﷺ علّمنا كيف نقرأ النصوص الشرعية قراءة تتجاوز حدود الظاهر، إلى مراد الله الذي يتسع عن حدود اللغة، ويقود إلى عمارة الأرض وتزكية النفس، مشيرًا إلى أن "اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة، وإذا صحت اللغة صح الفكر، وإذا استقام الفكر عبد الإنسان ربَّه كما ينبغي".
واستدل جمعة بحديث النبي ﷺ:«لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ»، ليوضح أن الهجرة لم تنتهِ بمعناها الكلي، بل تحولت إلى هجرة معنوية دائمة، وجهاد مستمر في سبيل بناء الإنسان والمجتمع، متى توفرت النية الصالحة.
الهجرة من أجل الأمن والإيمان
وتحدث الدكتور علي جمعة عن هجرة الصحابة الأوائل إلى الحبشة، التي كانت بإشارة نبوية ذكية للهروب من بطش قريش إلى ملك عادل، وإن لم يكن مسلمًا بعد، هو النجاشي، الذي قال فيه ﷺ:«اذْهَبُوا إِلَى الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ فِيهَا مَلِكًا لا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ»،
مبينًا أن الهجرة كانت حينها لأجل الأمن، وهو ما يُعد نموذجًا للتعايش واحترام القيم الإنسانية.
أما هجرة النبي ﷺ بنفسه الشريفة من مكة إلى المدينة، فقد وصفها جمعة بأنها "هجرة إيمان"، فيها عطاء وبذل، وصبر على الأذى، وتجسيد فعلي لمعاني التوكل والإرادة والتخطيط النبوي الدقيق.
وفي ختام خطبته، حمد الدكتور علي جمعة الله على نعمة الإسلام، والانتساب إلى أمة محمد ﷺ، داعيًا أن يجعل الله العام الجديد عام خير وبركة، وأن يرزق الأمة الفهم العميق لسنن النبوة، والعمل الصادق بما جاء به خاتم المرسلين.