رمضان مختلف
بخطوات عملية.. كيف نتدبر القرآن في رمضان؟

قال الشيخ ناصر مصطفى، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن شهر رمضان هو موسم الطاعة والعبادة والتقرب الى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة، ومن أفضل الطاعات والقربات التي يتقرب بها المسلم لربه في شهر رمضان هي قراءة القرآن، خاصة وأنه شهر نزول القرآن.
واستشهدا مصطفى بقول الله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" (البقرة: 185)، كما أن قراءة القرآن عبادة لا كلفة فيها ولا مشقة، وأجرها عظيم ومضاعف، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف"، لذلك يحرص المسلمون في مشارق الارض ومغاربها على قراءة القرآن الكريم، ويحرصون ايضا على أن يختموه مرة او أكثر خلال هذا الشهر المبارك.
لا يكن همك ختم القرآن دون تدبر
وتابع مصطفى موجهًا نصيحة لكل مسلم :"لا يكن همك فقط بهذا الشهر أن تختم القرآن الكريم، دون معرفة ألفاظه وآياته دون تفكر وتدبر، فتكن قراءتك مجرد عد ايات أو تقليب صفحات"
ووضح مصطفى أن كثيرٌ من المسلمين يُركزون على إنهاء عدد معين من الأجزاء أو السور، دون أن يمنحوا أنفسهم فرصة للتفكر في الآيات أو استشعار عظمتها وتأثيرها في حياتهم، مما يجعل قراءتهم مجرد تحريك للسان دون أثر حقيقي على القلب. وقد أنزل الله القرآن الكريم ليُتدبر ويُفهم، وليس فقط ليُتلى، كما قال سبحانه وتعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" (ص: 29). فالتدبر هو الغاية الحقيقية من التلاوة، وهو الذي يجعل القرآن يؤثر في الإنسان، فيزيده خشوعًا وإيمانًا ويهديه إلى الصراط المستقيم.
معنى التدبر
وأشار مصطفى إلى أن التدبر يعني أن يتوقف القارئ عند معاني الآيات، ويتأمل فيما تدل عليه من أوامر ونواهٍ، ويجعلها جزءًا من حياته وسلوكياته. فإذا مرّ بآية تتحدث عن الجنة ونعيمها، يسأل الله أن يجعله من أهلها، وإذا قرأ آية تتحدث عن عذاب النار، يستعيذ بالله منها، وإذا وجد آية تأمر بعمل صالح، يحرص على تطبيقه، وإذا وجد آية تحذّر من معصية، يجتنبها.
وهذا ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم عند تلاوته للقرآن، فقد روى الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرّ بآية عذاب وقف وتعوّذ، وإذا مرّ بآية رحمة وقف ودعا" (رواه مسلم).
وهذا يدل على أن التفاعل مع القرآن أثناء التلاوة هو من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يجعل القلب أكثر تأثرًا واستفادة من كلام الله.
وهناك بعض الأمور التي تُعين المسلم على التدبر والخشوع أثناء قراءة القرآن، ومنها:
- إفراغ القلب من شواغل الدنيا: فمن المهم أن يكون القارئ متفرغًا ذهنيًا أثناء تلاوته للقرآن، وألا يكون منشغلًا بهموم العمل أو الحياة، لأن ذلك قد يمنعه من التركيز والتدبر.
- اختيار الوقت المناسب: من الأفضل أن يختار المسلم وقتًا يكون فيه نشيطًا الذهن والجسد، وليس وقت التعب أو النعاس، لأن ذلك يساعده على الفهم والتفكر في المعاني.
- البحث عن مكان هادئ: فمن الأمور التي تُعين على التدبر أن يكون المكان بعيدًا عن الضوضاء والمشتتات، حتى يتمكن القارئ من التركيز والخشوع.
- استخدام مصحف به تفسير الكلمات: فمن المفيد أن يقرأ المسلم من مصحف يحتوي على معاني الكلمات وتفسير مبسط للآيات، حتى يسهل عليه فهم المقصود من الآيات، ولا يمر عليها مرور الكرام دون استيعاب.
- القراءة بتمهل وعدم التعجل: فالتأني في التلاوة والتوقف عند الآيات والتفكر فيها يُعين على التدبر أكثر من القراءة السريعة التي تهدف فقط إلى إنهاء عدد معين من الصفحات.
وعندما يحرص المسلم على التدبر أثناء تلاوته، يكون لقراءته أثرٌ حقيقيٌ على قلبه، وتزداد قوة إيمانه، كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا" (الأنفال: 2). فهذه هي القراءة التي ينتفع بها القلب، والتي تجعل المسلم أقرب إلى ربه، وأكثر حرصًا على طاعته، وأبعد عن معصيته.