رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على مائدة القرآن

أحسن القَصَص

د. عبدالراضى عبدالمحسن
د. عبدالراضى عبدالمحسن عميد دار العلوم القاهرة الأسبق

قصة يوسف: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ).

فهى من أروع القَصَص وأَعجَبه ليس فحسب بسبب جمال الحكى وروعة القصِّ وفائق البيان وتكامل عناصر الصدق والموضوعية والواقعية المسلسلة بسلاسل ذهبٍ أسلوبى، بل كذلك اشتملت عليه من ديوان العِبَر والحِكَم الذى يزيد كما يقول ابن قيم الجوزية على ألف فائدة. فهى تكشف عن شدة تصاريف القَدَر فى التحولات الصارخة من الابتلاء إلى التمكين، ومن الفَقْد إلى التلاقى إلى التلاقى والائتلاف، ومن ضياع البصر إلى عودة الضياء ونور العيون، ومن ابتهاج المتآمرين بنشوة البدايات إلى حسرة فشل النهايات، ومن ضِيق الشدة إلى رحابة الفَرَج.

وليس أروع مما تضمنته من أعظم حِكْمتين تُعَدّان دستورا تربويا ومعيشيا للحياة الإنسانية لمن يسعى نحو بناء شخصية آمنة مطمئنة أشد صلابة من الحديد وأكثر رسوخا من الجبال الراسيات:

الحكمة الأولى: أن حجاب الغيب لو ارتفع وانكشف للإنسان ما وراءه، فإنه سيختار نفْس قضاء الله وقَدَره الذى أمضاه علينا وأنفذه فينا.

فهل كان يعقوب سيختار بديلا لفَقْد ابنه الأثير؟

وهل كان يوسف سيختار بديلا لقاع البئر أو ظلمة السجن بعد أن كان ذلك هو الطريق الملكى الحريرى إلى أن يرتفع ويرفع أبويه على عرش المُلك والسلطة؟

الحكمة الثانية: أن الصبر وتفويض الأمر لله أنجع دواء ربانى لعلاج طعنات الغادرين، ومكائد الكائدين، ومؤامرات ودسائس المتآمرين، وشرور الفاسدين: كما صبر يعقوب ويوسف: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا)، فالمكائد والمؤامرات والدسائس لا تستطيع تحويل نعمة الله عن المحسود، كما أن حبل الكذب قصير وسرعان ما تظهر الحقيقة: (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).

وربما لم تتضمن سورة أخرى ما تضمنته القصة من القيم الدينية والروحية والإنسانية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية التى جعلت من مقاطعها تتحول إلى أمثال سائرة : (إن النفس لأمارة بالسوء)، (قُضىَ الأمر الذى فيه تستفتيان)، (والله المستعان على ما تصفون).

فتجد قيمة التخطيط بأشكاله ودوافعه المختلفة مثل التخطيط الاستراتيجى الذى وضعه يوسف لحل أزمة الجفاف والمجاعة، والتخطيط التآمرى الذى قام به إخوة يوسف للتخلص منه، والتخطيط الكيدى النسوى من زوجة العزيز لتبرئة نفسها أمام زوجها وأمام النسوة.

وتجد التوظيف الإعجازى للعنصر الواحد فى خدمة أغراض متعددة بالقصة، فقميص يوسف جاء دليلا على كذب الإخوة، ودليلا على براءة يوسف، وبشارة ليعقوب وعودة بصره.