رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

منذ نشأتها وما قبلها، وبدعم من دولة الانتداب البريطانى والولايات المتحدة التى حلت محلها وهدف إسرائيل الأول والأخير، هو إفراغ فلسطين من سكانها لتجعل من أكذوبتها الكبرى المضللة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض أمرا واقعا، يفضى إلى دولة يهودية خالصة. أما الخطة فتقوم على التسريع بالاستيطان والإكثار من المجازر، وشن حرب نفسية لإثارة الذعر والهلع لإجبار سكان الأحياء والمدن على الهروب فى الداخل الفلسطينى أو خارجه. وحين كانت قبرص جزءا من الإمبراطورية البريطانية، هى المكان الذى يمكن أن يستقر فيه الصهاينة اليهود كتب هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية إلى وزير الخارجية البريطانى تشمبرلين يشرح له الطريقة المثلى لإخلائها من السكان الأصليين –طبقا لما جاء فى الجزء الثانى من كتاب الأيدلوجية الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيرى– فقال: سيرحل منها المسلمون أما اليونانيون فسيبيعون أرضهم بكل سرور، ثم يهاجرون إلى اليونان أو إلى كريت. أما حاييم وايزيمان أحد من لعبوا دورا فى إصدار وعد بلفور، وأول رئيس لدولة إسرائيل فقد نشرت له أقدم مجلة يهودية «جويش كرونيكل» الأسبوعية اللندنية فى 13 أغسطس 1937، وثيقة تشير إلى أنه لكى يتسنى إقامة الدولة اليهودية وينجح مشروعها فإن ذلك يتوقف على «مدى إخلاص الحكومة البريطانية للتوصية الخاصة بنقل السكان» وهو لم يشأ هنا أن يصفهم بالفلسطنيين ولا بالشعب!
وبعد أربعة أشهر من الهزيمة العربية المدوية فى حرب يونيو 1967 قال مسئول الاستيطان فى الوكالة اليهودية «جوزيف وايتز» أنه لا يوجد مكان لكلا الشعبين فى هذا البلد، وأن تحقيق الأهداف الصهيونية يتطلب تفريغ فلسطين أو جزء منها من سكانها، وأنه ينبغى لذلك نقلهم إلى الدول المجاورة لتتمكن فلسطين من استيعاب ملايين اليهود من الشتات الأوروبى لتوطينهم -وفقا لأساطير دينية مختلقة- فى أرض الميعاد. وطبقا للتفسير اليهودى للتوراة فإن الله العلى الكريم أبرم عهدا لإبرام وهو نبى الله إبراهيم قائلا «سأعطى نسلك هذه الأرض من وادى العريش إلى النهر الكبير نهر الفرات» وهو حلم شعار من النيل إلى الفرات الذى لا يغادر عقلية القادة المؤسسين والحاليين لإسرائيل.
وفى صخب تلك الأساطير والأكاذيب وجنون العظمة الذى بات يتحكم فى الذهنية الإسرائيلية الحاكمة وغير الحاكمة تجرى التعمية عمدا على الأهداف الاستعمارية لنشأة الدولة العبرية التى عبر عنها بوضوح فى العام 1840 اللورد بالمر ستون الذى كان مهرجا يسلى زبائن المقاهى اللندنية ثم أصبح وزيرا للخارجية البريطانية ورئيسا للوزراء بقوله: ستكون فلسطين اليهودية سدا فى وجه أى محاولات شريرة، لإنشاء دولة عربية تضم مصر والشام، وتهدد المصالح البريطانية. وهو ترجمة صادقة لقول الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى ورث الدور الاستعمارى للإمبراطورية البريطانية التى قيل إن الشمس لا تغرب عنها: لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها!
فى أعقاب حرب يونيو التى يسميها الإسرائيليون تفاخرا حرب الأيام الستة صاح «مناحم بيجن» زعيم التيار الصهيونى اليمينى الذى أصبح بعد نصر أكتوبر حزب الليكود قائلا: سيناء جزء من أرض إسرائيل الكبرى، وأننى سأتخذ فيها مرقدى الأبدى وأبنى فيها قبرى. وفى كتابه البديع «بطولات المصريين وأثرها فى الأدب الإسرائيلى» للأكاديمى الكبير الراحل دكتور «إبراهيم البحراوى» أستاذ الأدب العبرى بكلية الآداب جامعة عين شمس، استطلع فيه عبر شهادات حية لجنود وضباط أسرى إسرائيلين لدى السلطات المصرية، وعبر قراءته لنصوص من الأدب العبرى العقلية التوسعية المترسخة فى المجتمع الإسرائيلى، التى كان من الطبيعى تخرج إلى الوجود أسطورة الجيش الذى لا يهزم والذى تمكن عبر ستة أيام فقط من هزيمة ثلاث دول عربية واحتلال الجولان والضفة الغربية وغزة وسيناء. كشف الكتاب كيف أحدثت حرب الاستنزاف الباسلة ونصر أكتوبر العظيم زلزالا وجه ضربات موجعة لمشاعر التفوق والعنجهية وجنون العظمة التى سيطرت على الإسرائيليين شعبا وحكومة. وعبر رحلته البحثية اكتشف الدكتور البحراوى جهل الضباط والجنود الأسرى بمصر وتاريخها، وقال له أحدهم إنه تعلم أن الحضارة المصرية قد اندثرت، وأن سكان مصر الحاليين من الشعوب البدائية. ولاحظ دكتور البحراوى من جهة أخرى، أن اتجاهات الضباط الأسرى نحو قضية التسوية السياسية، أى عبر التفاوض، مرهونة لديهم بالقدرة العربية على حرمان إسرائيل من وضع الاحتلال للأراضى العربية، وهو الوضع الذى فضله معظمهم.
ليس هذا السرد التاريخى بعيدا عن حرب الإبادة الجماعية التى يشنها نتنياهو على مدار نحو خمسة أشهر على الشعب الفلسطينى فهى جزء من المخطط الصهيونى القائم على التهجير القسرى أو بالتراضى للشعب الفلسطينى وشطب القضية الفلسطينية. وليس التهديد باقتحام رفح المتاخمة للحدود المصرية سوى مجرد تعبير عن الإيديولوجية الصهيونية التوسعية الذى سمح لها الدعم الأمريكى السياسى والمالى والعسكرى غير المحدود أن تتحدى القانون الدولى، وأن تتجاهل المعاهدات الثنائية، وأن تمضى قدما فى تنفيذ مخطط عشوائى يفتقد للكفاءة وينعدم فيه الحياء والضمير ويحفل بالأكاذيب اليومية، والمشاهد التمثيلية الفاشلة عن تحرير رهينتين لم يثبت أنهما كانتا لدى حركة حماس.
فى الحرب الراهنة منح بايدن طبقا لصحف إسرائيلية وأمريكية الضوء الأخضر لنتنياهو لاقتحام رفح المكدسة بنحو مليون ونصف لاجئ فلسطينى، بصرف النظر عن الخسائر الباهظة المؤكدة فى أرواح البشر، أو دك رفح على رؤوس سكانها. المعلقون الإسرائيليون فى الفضائيات العربية يرون أن معظم هؤلاء هم أعضاء فى حماس أو متعاطفون معها. وهو ما يعنى أنهم إرهابيون يستحقون الموت. نتنياهو الذى يخوض معركة من أجل أنقاذ مستقبله السياسى، يقول أن عدم دخول رفح يعنى خسارة الحرب التى يخوضها وسط الأحياء السكنية وداخل المستشفيات التى يحتمى بداخلها مواطنون عزل فضلا عن المرضى، ويمنحه الظهير الأمريكى والأوروبى بالصمت وبخلط الوراق مزيدا من الوقت لارتكاب أفظع الجرائم .
أمدتنى هذه الحرب بجانب الفزع والقهر والاكتئاب، بالاقتناع بصحة الرؤية التى تذهب أنه لا فرق بين معتدلين وبين متطرفين فى إسرائيل، فقد نجحت السياسات العنصرية التى اكتسبتها الصهيونية من الحركة النازية فى خلق مجتمع يمرح التطرف والعنف فى كل مؤسساته. أقول هذا لمن ينتظر سقوط نتنياهو لكى تتبدل الأوضاع الراهنة، وهى أوضاع ستبقى إن بالمراوغة أو بالدهاء والدعم الغربى، ولن تتبدل سوى بالبحث عن عناصر القوة فى الموقفين الفلسطينى والعربى، لتعزيزهما للتوصل لحل للدولة الفلسطينية طبقا للقرار الأممى 242. أما غير ذلك فهو قبض الريح.