رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

«إن اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية»، تلك حكمة سعد باشا زغلول، أحد أبرز زعماء مصر وقائد ثورة 1919، الذى حظى بشعبية لم يحظَ بها زعيم مصرى من قبله، ولُقب بزعيم الأمة وأطلق على بيته «بيت الأمة» وعلى زوجته «صفية»، «أم المصريين». 

لقد اجتمعت لـ«سعد» من مزاياه الشخصية ومن توفيقات العصر فى حياته صفة الزعامة الواجبة من المصريين، أو الزعامة الملائمة لأطوار النهضة الأخيرة فى هذه الأمة.

فهو -لأنه كان فلاحاً من أصحاب المراتب العالية- قد استطاع أن يجمع حوله السواد والعلية من أبناء الفلاحين، وهو قوام الأمة المصرية، ولأنه كان صديقاً لـ«قاسم أمين» على رأيه فى تهذيب المرأة، قد استطاع أن يقود النهضة الأولى التى اشترك فيها الرجال والنساء، وشملت الأمة كلها، ولأنها شملت البيت كله.

ولأنه كان يطلب الاستقلال من الترك كما يطلبه من الإنجليز، فقد استطاع أن يمحو الفوارق الدينية والعصبية المذهبية فى الحركة الوطنية، ولأنه حاضر الفتوة، وافر الحماسة فى الشباب والكهولة والشيخوخة، قد استطاع أن يقود الشبان الملتهبين كما يقود الشيوخ المحنكون، أو استطاع أن يجمع الجيلين فى ثورة واحدة.

احتفظ سعد زغلول بنشاطه الغزير إلى النهاية على عكس ما عهد فى الزعماء الشرقيين أنهم يعتزلون العمل قبل زملائهم الغربيين، وليس من بين الثائر فى التاريخ إلا عدد قليل بقيت له عقيدته السياسية على شدتها وعنفوانها بعد الخمسين ولكن «سعد» بلغ أقوى ما بلغ من السلطان على الجماهير عندما ناهز الستين، وكأنما كان تقدمه فى السن يزيد حماسة الشباب ونزواته! على أن مفاجآت طبيعية وأطوار حياته وتقلبه فى تحصيل العلم بين الفقهاء العرب والأساتذة الفرنسيين، ومضاء عزيمته وفصاحته وما كان من الأثر على تربية ذهنه لأناس بينهم من الاختلاف مثل ما بين «جمال الدين» داعية الجامعة الإسلامية واللورد «كرومر» كل هذا لا يكفى لتفسير قبضته على شعب كثير التحول.

فهو فى طبيعة العملية، وفصاحته المقنعة، وفكاهته المرتجلة، وعزيمته الماضية، وسماته المهيبة ومنزلته الرقيقة، خير من ترشحه مصر لزعامتها من صميم تكوينها، وإنه لأصل فى زعامة الشعوب ليس بعده رسوخ ولأعمق فى الأصول.

هذه الزعامة هى التى التقى حولها المصريون فعلموا أنهم أمة، وعلموا أنهم مسلمون ومسيحيون ولكنهم أمة، وأنهم رجال ونساء ولكنهم أمة، وأنهم شيب وشباب ولكنهم أمة، وأنهم حضريون وريفيون ولكنهم أمة، فانبعث للأمة حياة ماثلة إلى جانب حياة فرد وكل طبق وكل طائفة وكل جنس وكل دين.

ورأينا الأيام التى نسى فيها اللص أنه سارق ولم يذكر إلا أنه مصرى من المصريين ونسيت فيها البائسة الموصومة أنها متاع مهنياً ولم تذكر إلا أنها مصرية تطالب بقضية، ومنهم حتى هؤلاء أم هنالك معنى من معانى الرفعة الإنسانية يسمى الشرف ويسمى الحياء، بل رأينا السنين التى لبث فيها المئات والآلاف يسامون الخسار، فيغلبون الخسار ولا يقبلون المراء فى العقيدة، ويخيرون بين منفعة النفس ومنفعة الأمة ولا يحفلون بمنفعة النفس ولا بمنافع المال والبنين، وتلك غنيمة قومية لا تدخل فى حساب الأرقام، ولكن الأمة التى تهملها وتبخس قدرها لا تدخل هى نفسها فى حساب.

ولو لم يكن حب الزعيم للحرية مصلحة عامة وعقيدة راسخة، لكان مصلحة خاصة تقوم عنده مقام العقيدة، فهو يذود عن كبريائه حتى يقضى للفلاح بحق الحرية، ولا يرى فيه رأى الزملاء من حكم الترك الذين يقضون عليه بالخضوع، ويقضون لنفسهم بالسيادة، ومن اتفقت له كراهة الاستبداد والقدرة على دفعة، واستنهاض الشعب إلى صريح قيوده، والشعور مع الشعب بعزته وهواته، فقد رشحته إرادة الغيب، ولم ترسخه إرادة الناس للزعامة والاضطلاع بهذه الأمانة، واصطلحت هداية الإلهام وهداية التفكير على تقديمه لهذا الأمر الكبير.

إنه سعد زغلول زعيم الأمة الذى كان الشعب يؤلف الأناشيد باسمه، فضلاً عن أن المواليد من الفترة 1919، حتى 1927، كان يحملون اسم «سعد» سواء مسلمين أو مسيحيين.