رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

مرت هذا الشهر الذكرى الثلاثون لاتفاقية أوسلو التى وقعها الزعيم الفلسطينى «ياسر عرفات» مع رئيس الوزراء الإسرائيلى «إسحاق رابين» داخل البيت الأبيض  وبمشاركة من الرئيس الأمريكى «بيل كلينتون» فى الثالث عشر من سبتمبر عام 1993. فاجأ التوقيع على الاتفاق حلفاء «أبو عمار» وخصومه فى الساحتين  الفلسطينية والعربية، والذى كان ثمرة لمفاوضات سرية بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى فى العاصمة النرويجية أوسلو، عقب مؤتمر مدريد الدولى للسلام فى العام 1991، الذى وصفه «إدوارد سعيد» بأنه كان الحديقة الخلفية لأوسلو. ولم يكن اغتيال «رابين» بعد نحو عامين على توقيع الاتفاق، على يد يهودى متطرف سوى عنوان على الاتجاهات الحقيقية للقوى الإسرائيلية الرافضة لمبدأ التفاوض مع الفلسطنيين، ناهيك عن الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطينى. فداخل إسرائيل يتشكل الإجماع بين اللكود وأحزاب اليمين وبين العمل أحزاب اليسار، وحتى بين من يسمون أنفسهم قوى السلام، على ثوابت ترفض تقسيم القدس وعودة اللاجئين والانسحاب إلى حدود يونيو 1967. ولم تكن سيطرة اليمين المتطرف فى حزب اللكود وخارجه من حكم إسرائيل منذ اغتيال رابين، وحتى اليوم سوى تأكيد للتمسك بتلك الثوابت الرافضة من حيث المبدأ لقيام دولة فلسطينية مستقلة.  

خلال الثلاثين عاما من توقيع أوسلو جرت فى النهر مياه كثيرة، لكن المؤكد أنها لم تحقق السلام  بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى، وظلت كما سميت  فى نصوصها «إعلان مبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتى الانتقالى « يسمح بتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية ، وبمجلس تشريعى منتخب فى الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى يكون الهدف النهائى التالى الوصول إلى تسوية دائمة فى أعقاب فترة انتقالية لا تتجاوز خمسة أعوام، تستند إلى قرارى مجلس الأمن الدولى 242 و338. لكن الانتقال إلى تلك المرحلة لم ولن يحدث أبدا.

لم يكن الكاتب الإسرائيلى «عاموس عوز» مبالغا حين قال إن اتفاقات أوسلو تعد «ثانى أكبر نصر فى تاريخ الصهيونية» وطبعا النصر الأول الذى يقصده هو هزيمة العرب عام 1948 وإقامة الدولة الإسرائيلية، فقد فتحت أوسلو الباب واسعا أمام  أكثر من خمسين دولة من دول العالم، لعودة العلاقات مع إسرائيل بينها الصين والهند وعدد من الدول الأفريقية والأسيوية، كانت فى السابق ترهن تلك العودة بمنح الشعب الفلسطينى حقه فى تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على حدود يونيو 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم.

هيأ الغزو العراقى للكويت مناخا دوليا مواتيا، لكى تنجح إسرائيل عام 1991 فى حشد الدعم الدولى لإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عام 1975، باعتبار الصهيونية أيدولوجية عنصرية إمبرالية، وشكلا من أشكال العنصرية. وكان الاتحاد السوفيتى قد سقط، وبشر قادته الجدد أن حل قضية الشرق الأوسط وغيرها من القضايا الدولية، يقوم على مبدأ «توازن القوى» وليس  على نظرية  «توازن المصالح» وخلال ثلاثين عاما انتهت أوسلو كما أرادت إسرائيل تماما: حكم ذاتى هش، سلطة وطنية تزداد ضعفا كلما اشتد الحصار الإسرائيلى عليها، انقسام فى الساحة الفلسطينية غير مسبوق، إمارة إسلامية فى غزة بعد استيلاء حماس عليها عام 2007، توارى فكرة الدولة الفلسطينية، بعدما استولت إسرائيل بالاستيطان على معظم أراضى الضفة الغربية والقدس. 

أما أكبر انتصار جنته إسرائيل من أوسلو، فهو وصفها الفلسطينيين فى أوسلو بالسكان، وقيام المنظمة بحظر  العمل المقاوم للاحتلال والتسليم بأنه إرهاب، وغيرها من التنازلات التى تثبت الممارسات الواقعية لدولة إسرائيل أنه لافرق لديها  بين المعتدلين والمتطرفين  ولا بين المتدينين وغير المتدينين سوى فى مفردات اللغة، وأن المشروع الرئيسى لليكود والعمل كما قال المفكر  «روجيه جارودى» هو مشروع استيطانى توسعى إمبريالى عدوانى،  لبناء إسرائيل الكبرى خلف قناع الحقوق التاريخية المؤسسة على معتقدات توراتية، لم تثبت الدراسات فى تاريخ الأديان، أن لها سندا من الحقيقة.

وبجانب ذلك نجحت إسرائيل خلال تلك الحقبة فى تقبل  المجتمع الدولى بخرافتين تكسبها مزيدا من التنازلات وإضاعة الوقت وجنى الانتصارات، وهما الدعوة للتفاوض من أجل التفاوض، ومبدأ السلام مقابل السلام، بدلا من الشعار العربى فى مبادرة السلام العربية :«الأرض مقابل  السلام. وفى الذكرى الثلاثين لأوسلو التى لم تمنح الفلسطنيين أمنا أو سلاما، يجرى الحديث فى المحافل الدولية الداعمة لإسرائيل لأسلو ثانية!

وليس ببعيد عن ذلك الضغوط الغربية، الأمريكية والأوروبية  التى تمارس على السعودية لإقامة علاقات مع إسرائيل، بزعم أن ذلك سيحسن شروط التسوية مع الفلسطينين. ولعل ولى العهد السعودى الأمير «محمد بن سلمان» بما يملكه من فطنة وذكاء وبصيرة، ومن قدرة على مواجهة الضغوط والإفلات من الفخاخ المنصوبة له، أن يدرك أن تطبيع العلاقات الخليجية مع إسرائيل، لم تحصد قضية التسوية منه أية ثمرة وكان محض تنازلات مجانية، وأن ورقة الضغط  العربية الوحيدة الآن على إسرئيل، هى فى يده،  لرهن تطبيع  علاقات المملكة السعودية معها، بتسوية عادلة للقضية الفلسطنية، تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام، بضمانة هيئة الأمم المتحدة، وطبقا للمبادرة السعودية التى قبل بها العرب جمعيا بإنهاء الاحتلال  ومبادلة الأرض مع إسرائيل فى مقابل التطبيع.