عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

احتفلت الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضى، 15 سبتمبر، باليوم العالمى للديمقراطية، مرَّ هذا اليوم مثل أسلافه محمَّلاً بشعارات لم تعد تطرب أحداً، فالعالم لا يعرف إلا ديمقراطية القوة والمصالح والفوضى أحياناً، ديمقراطية «أستيك منه فيه»، تضيق وتتسع فيها مساحات المَنح والمَنع حسب الهوى، ديمقراطية تتطابق أوراقها مع ورقة الزواج العرفى متعددة الأغراض والاستخدامات، هذا ما أراه ـ وقد أكون مخطئاً ـ  وإليك الدليل: 

اختارت الأمم المتحدة موضوع «أهمية تمكين الشباب» ودورهم فى تعزيز الديمقراطية وحمايتها ليكون محور احتفال هذا العام، وبعيداً عن السرد الممل، فإن الأمين العام للأمم المتحدة «أنتونيو غوتيريش» يبلغ من العمر 74 عاماً، والولايات المتحدة التى صرحت فى هذه المناسبة بأنها تتعهد بحماية الديمقراطية فى العالم، يقف رئيسها على مشارف الـ80 سنة، ثم يتحدثون عن تمكين الشباب! 

وفى هذه المناسبة تجد من يُعلن التزامه بدعم الديمقراطية والدفاع عنها، وهو يمارس فى الوقت ذاته أقصى أنواع الاضطهاد والعنف ضد من يختلف معه، وتجد أيضاً من يبادرون بإرسال برقيات التهانى والتبريكات لأصحاب الفخامة والجلالة ـ حفظهم الله جميعاً ـ  مهللين بما تحقق من إنجازات ونقلات نوعية لمسيرة الديمقراطية فى ظل دعم ورعاية صاحب الجلالة، وهم لا يعرفون من الديمقراطية إلا اسمها! 

وبمناسبة هذا الاحتفال، أنتقل معكم من العام إلى الخاص، من «أصحاب الجلالة» إلى «صاحبة الجلالة» ومساحة الديمقراطية بين الكاتب والسلطة، وهى مساحات معقدة، متشابكة الأسباب والحجج بطبيعة الحال، ونتحدث عن واقعتين لكاتب واحد، قد توضحان هذه العلاقة. 

فى 1978 هاجم مصطفى أمين أعضاء مجلس الشعب الذين أسرعوا للانضمام إلى الحزب الوطنى الديمقراطى الذى أسسه الرئيس السادات، فأثار ذلك غضب السادات، وشن هجوماً قاسياً على مصطفى أمين فى أول مؤتمر شعبى يعقده الحزب الوطنى الديمقراطى فى مدينة «تلا» بالمنوفية، محذراً من أية محاولة لاستغلال الديمقراطية، وبوضوح شديد قال الرئيس السادات: لقد نحينا عن الكتابة فى السياسة صحفياً حاول أن يوجِّه الإهانة إلى مجلس الشعب، لم نعتقله، لم نصادر ممتلكاته، لم نقطع أجره، فقط نحيناه عن الكتابة فى السياسة، ولكن بعضاً من «أفنديات» القاهرة يحاولون من خلال اتصالاتهم بمراسلى الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية، أن يصوروا للعالم أن الديمقراطية فى خطر، هؤلاء الأفنديات يحاولون أن يصوروا للعالم أنهم يمثلون وجه مصر، ولكن وجه مصر الحقيقى لا يمثله هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يعيشوا بعيداً عن الماء الساخن والهواء المكيف..  «نص الخطاب نشرته الأهرام عدد الأربعاء 23 أغسطس 1978». 

وهكذا اعتقد السادات أنه عندما يُنحى مصطفى أمين عن الكتابة، فإن هذا العقاب هو أقصى درجات الديمقراطية، طالما أنه لم يعتقله أو يصادر ممتلكاته! 

ويوضح لنا الكاتب أحمد بهاء الدين فى كتابه «محاوراتى مع السادات»، أنه بسبب مظاهرات الخبز 1977، أصبحت القاهرة فى نظر السادات مدينة المشاغبين من الطلبة والعمال والمتحذلقين والصحفيين والكتاب، وكل من أصبح يسميهم بقصد الاستهزاء «الأفنديات». 

وتمر السنوات ونصل إلى الاثنين 9 سبتمبر 1985، وهو تاريخ الصدام الثانى، حيث كتب مصطفى أمين فى «الأخبار» يقول: «عزيزى الوزير الجديد.. لا أقول لك مبروك وإنما أقول قلبى معك، فلم يعد منصب الوزير فى بلادنا منصباً يستحق التهنئة والتبريك إنه خازوق شاء قدرك أن تجلس فوقه»، ثم يسرد مصطفى أمين لماذا قال ذلك، واختتم المقال بأن الوزراء الصادقين بقوا فوق الرؤوس، والوزراء الكاذبين دِيسوا بالأقدام! 

ليخرج الرئيس مبارك غاضباً منتقداً مصطفى أمين بسبب كلمة «خازوق» التى جاءت فى المقال، وقال :«بقى دى كلمة تتقال من راجل كبير، يعنى بيقول يا وزير ما تمسكش وزير، هو ذنبه إنه جه يمسك مسئولية فى أصعب الأوقات اللى بتمر بيها بلدنا، ده راجل قد أبويا مش هقوله عيب، هقوله ما يصحش، ولولا إنه راجل كبير، أنا كنت اتكلمت كلام قاسى»!.. وهكذا تضيق المساحات وتتسع الصدور وفقاً للظروف والأجواء.

فى النهاية.. رغم الأهواء والأجواء والمصالح والتفاهمات، ستبقى الديمقراطية طريقاً من الحرية غلافه الوعى والمسئولية، ستبقى حالة معايشة أساسها العلم والتقدم والرقى والأخلاق وقبول الآخر، قبل أن تكون أصواتاً فى صناديق انتخابية، الديمقراطية حالة لا يمكن منحها بقرار أو منعها بإمضاء.

[email protected]