رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبدالحليم حافظ.. الموجود الغائب، والغائب الموجود.. إنه متواجد ليتحدى سخافات العصر الغنائى الردىء الآن، إنه باق رغم الرحيل حتى يظل النغم الجميل، إنه الخلود المصرى مثل خلود النيل وخلود آثار الفراعنة.. أحب عبدالحليم بكل صدق وإخلاص ولذلك أحبه الجميع.. لقد أحب فنه وأخلص له وعشق الوطن حتى النخاع ولذلك وجدناه يعبر عنه فى كل مناسباته، فى الخمسينات والسبعينيات وجدناه موجودًا ومتألقًا وملهبًا لكل المشاعر الوطنية فى أغانيه الخالدة «بالأحضان، صورة، صباح الخير يا سينا.. وغيرها» هذا هو الفن القادر أن يعبر الزمان والمكان. وبرغم أن السنوات تمضى إلا أنه باق لكى يشجينا بصوته وفنه، عبدالحليم حافظ الفنان الظاهرة!

كان عبدالحليم يتألم من مرضه، ولكنه كان يستعذب المرض ويخرجه لنا فى صوت شجى جميل.. إنه الرحلة العابرة من ألم مستعذب إلى شجن صوتى متأوه، إنه حنجرة دافئة قادرة على إخراج صوت منغم ساحر ودود. وذكاء عبدالحليم فى تلك المعادلة التى أقامها من ذاته، وسر بقاء عبدالحليم يأتى من داخله أكثر من خارجه، فقد استطاع أن يستثمر كل طاقاته الداخلية سواء المشاعر أو الذكاء والفطنة أو المرض وآلامه. استطاع أن يصهر كل ذلك فى داخله من أجل أن يخرجه فى فن جميل معبر.

وحياة عبدالحليم من الفقر والحرمان واليتم إلى المرض والعذاب والكفاح، كل ذلك كان بمثابة عناصر أساسية تجمعت فى البوتقة من أجل أن تنصهر لتخرج أو لتجعل عبدالحليم ذات صوت شجى. صوت متألم، صوت صارخ برقة ورقة صارخة، هذا هو الداخل لعبدالحليم.. (فى يوم فى شهر فى سنة.. تهدى الجراح وتنام. وعمرى جرحى أنا أطول من الأيام)، (موعود معايا بالعذاب يا قلبى)، أما الخارج فهو قدرته على فهم الخارج فهمًا صحيحًا، وكان يفهم المشاعر الإنسانية فهما دقيقًا. كان يفهم كل المواقف والمناسبات فهما جيدًا، ولذلك عندما يختار كلماته فإن ذلك الفهم هو الذى يوجهه ويأتى اللحن من أجل أن يضع كل ذلك فى إطار متكامل ثم يأتى الصوت منغما متشحا بالشجنية العذبة فيتلقفها الجميع منذ اللحظة الأولى.

لقد قدم عبدالحليم الكلام العذب المنغم للناس على طبق من ذهب. كان عبدالحليم يريد أن يجعل الناس تتمكن من التعبير عن نفسها.. عن نفسها.. تتمكن من التعبير عن كل العواطف والخلجات الداخلية والذكريات والآمال والأحزان.. إلخ كان يريد بغنائه أن يحرك الوجدان الكامن داخل الذات.

كيف استطاع عبدالحليم أن يخلق لنفسه نموذجًا جماهيريًا خاصًا به دون الآخرين؟ وكيف يمكن تفسير ذلك النهم والمتابعة من قبل فئات العمر المختلفة بعبدالحليم رغم مرور كل تلك السنوات؟

يقول كونفوشيوس: لست أبالى بمن يسن للناس شرائعهم قدر اهتمامى بمن ينظم أغانيهم.. وقد كان عبدالحليم يفكر ألف مرة فى موسيقاه وأغانيه. يقول كمال النجمى: رحم الله عبدالحليم حافظ الذى قضى حياته الفنية كلها يبنى فكره الموسيقى، ويضيف إلى لهجته الغنائية الجديدة مزيدًا من التجديد فى فنه وفى تفكيره الموسيقى.

ويقول العنترى: أخيرًا بعد معاناته القاسية من المرض الشرس، ومن الاكتئاب الأسود الذى كبس على روحه عقب الرحيل المفاجئ والمفجع للرئيس جمال عبدالناصر غادر كل دنيانا يوم الإثنين من مارس 1977 مات عبدالحليم ولكن الفن الجميل لا يموت.

 

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال