عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

قاعة الدستور إحدى العلاقات التاريخية والأثرية المميزة لمجلس الشيوخ، وتقع كحد فاصل بين مجلس الشيوخ والنواب، وتعقد فيها معظم لجان مجلس الشيوخ، وتعرضت للدمار الشديد فى حريق مجلس الشورى فى أغسطس عام 2008 وأعيد ترميمها من جديد.

هذه القاعة الشهيرة شهدت ميلاد دستور 1923، وأخذت منه اسمها، وشهدت صولات وجولات لأسماء بارزة فى مجلس الشورى، كان الدكتور مصطفى كمال حلمى رئيس مجلس الشورى الأسبق يرأس اجتماعات اللجان التى تعقد فيها، وكانت تستضيف فيها رؤساء الحكومات والوزراء، وشهدت هذه القاعة مواقف سياسية واجتماعية، ومواقف مفرحة، وأخرى محزنة ومواقف وضحكة لا يتسع لها هذا المقال الذى يتناول حكاية دستور 1923 مع لجنة الاشقياء.

عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، قامت ثورة 1919 مطالبة بالحرية والاستقلال لمصر، وإقامة حياة نيابية وديمقراطية كاملة. وأسفرت هذه الثورة عن صدور تصريح 28 فبراير 1922 الذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، كما تضمن إنهاء الحماية البريطانية عن مصر.

واستنادًا إلى هذا الواقع الجديد تم وضع دستور جديد للبلاد صدر فى أبريل 1923، وضعته لجنة مكونة من ثلاثين عضوا، شكلها عبدالخالق ثروت رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، وبرئاسة حسين رشدى باشا، وضمن ممثلين للأحزاب السياسية والزعامات الشعبية، وقادة الحركة الوطنية، ولم يشارك فى هذه اللجنة حزبا الوفد والوطنى، وكان الزعيم سعد زغلول فى هذا الوقت منفيا وعرفت هذه اللجنة حسب الوصف الذى أطلقه عليها الزعيم سعد زغلول بـ«لجنة الأشقياء» لأنه كان يعتقد أنه لابد أن تضع دستور مصر المستقلة، جمعية مستقلة تأسيسية تختارها الأمة وليس لجنة شكلتها الحكومة، ورفعت اللجنة مشروع الدستور إلى رئيس الحكومة عبدالخالق ثروت فى 21 أكتوبر 1922، وكان منتظرًا أن يصدر به المرسوم المالكى، كما قدمت له اللجنة بعد أيام قليلة مشروع قانون الانتخاب المرافق للدستور، ولكن استقالة «ثروت» حالت دون صدور الدستور فى موعده المقرر، وتألقت وزارة محمد توفيق نسيم الذى لم يصل لحلول بشأن بعض المواد المعترض عليها، وهناك من يشير إلى أن الملك فؤاد وسلطة الاحتلال اعترضا على بعض المواد المقترحة بالدستور، وجاء يحيى باشا إبراهيم فى رئاسة الوزراء فى 15 مارس 1923، وتم اقرار الدستور فى 19 أبريل 1923، وبالرغم من الثغرات التى تخللت هذا الدستور، إلا أن الكثير من السياسيين رأوا أن وجود دستور معيب خير من لا دستور، وما يدلل على ذلك ترشح الوفد، واختيار الزعيم سعد زغلول، بالرغم من معارضته للجنة واضعى الدستور، أول رئيس حكومة برلمانية عام 1924.

وقد أخذ دستور 1923 بالنظام النيابى البرلمانى القائم على أساس الفصل والتعاون بين السلطات.. ونظمت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على أساس مبدأ الرقابة والتوازن، فجعل الوزارة مسئولة أمام البرلمان الذى يملك حق طرح الثقة فيها، بينما جعل من حق الملك حل البرلمان، ودعوته إلى الانعقاد، ولكنه أعطى البرلمان حق الاجتماع بحكم الدستور إذا لم يدع فى الموعد المحدد.

كما أخذ دستور 1923 بنظام المجلسين، وهما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وبالنسبة لمجلس النواب نص الدستور على أن جميع أعضائه منتخبون، ومدة عضوية المجلس خمس سنوات.

أما مجلس الشيوخ فكان ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين، وكان الخمسان معينيين. وأخذ الدستور بمبدأ المساواة فى الاختصاص بين المجلسين كأصل عام، مع بعض الاستثناءات.

وكان البرلمان الذى نص عليه دستور 1923 خطوة متقدمة فى طريق الحياة البرلمانية والنيابية فى مصر، إلا أن الممارسة على أرض الواقع جاءت مشوبة بالعديد من السلبيات، فتراوحت الحياة السياسية خلال الفترة 1923 - 1952 ما بين فترات مد ديمقراطى وشعبى محدودة، وفترات انحسار نجمت عن تدخل من سلطات الاحتلال والقصر شغلت معظم هذه الفترة، الأمر الذى أسفر عن حل البرلمان نحو عشر مرات. فوق ذلك شهد عام 1930 صدور دستور جديد للبلاد، استمر العمل به لمدة خمس سنوات كانت بمثابة نكسة للحياة الديمقراطية، إلى أن عادت البلاد مرة أخرى إلى دستور 1923، وذلك فى عام 1935.

يعد دستور 1923 من أفضل دساتير مصر، فى رأى كثير من المفكرين والسياسيين وأنه كان خطوة مهمة على طريق الحياة الديمقراطية ومدينة الدولة المصرية، فالشكوى من الحياة الدستورية فى ظل هذا الدستور لم تكن راجعة إلى عيوب فيه، بقدر ما كانت ناشئة عن مخالفة أحكامه والاعتداء عليه فى أوقات كثيرة، أبرزها تدخل الملك لتغليب حكومة الأقلية، والانقضاض على الدستور وإلغاؤه عام 1930، وصدور دستور عرف بـ«دستور صدقي» نسبة لرئيس الحكومة آنذاك إسماعيل صدقى باشا، ولكن عاد العمل بدستور 1923 فى عام 1935 بعد الغضب الشعبى على إلغائه.