رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

قال الجاحظ، عن مصر إن أهلها يستغنون عن كل بلد، حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا سور، لغنى أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا، ونهر النيل هو نهر العسل فى الجنة.

عاش البريطانى ادوارد لين حياة المصريين وارتدى زيهم وجاور عمائرهم الأثرية، ولذلك كان يقيم فى احدى المقابر الأثرية بجوار منطقة الأهرامات وأبو الهول والتى كانت تعرف بـ«نزلة السمان».

يصف «لين» المكان يوم 17 ديسمبر 1825، حيث ذهب بصحبة خادميه محمد وحسن منبهرا ومشدوها بعظمة الأهرامات الثلاثة التى أطلت على السهل الخصيب أسفلها، وقد غمرته مياه الفيضان وكان «لين» قد عزم على البدء فى مخطوط كتابه القيم «وصف مصر» ويصف المقبرة الأثرية التى عاش فيها بأنها كانت «مقبضة» بعض الشىء ثم بعد أدخل عليها بعد «التحسينات المعيشية» بدا المكان أكثر حميمية مع وجود البايب الخاص بى وبعض اشيائى معلقة على مشاجب فى الحائط والتى صنعت لى مساحة أمامية متسعة وشرفة ظليلة كانت تحيد عنها الشمس فأجلس فيها يوم «الكريسماس» لأدخن واشرب قهوتى الصباحية.

أما مظهره فى تلك الفترة فكان ملائما لمزاجه وحالته المعيشية، حيث فضل أن يرتدى ملابس البدو الفضفاضة التى أتاحت له سهولة الحركة داخل الأهرامات والمقابر، كما فضل أن يسير حافى القدمين، حيث وجد ذلك أفضل فى الأرض الرملية التى تملا مدخل الهرم الأكبر وبعد أيام قليلة وجروح سطحية فى قدمه، أصبحت قدماه محصنتين ضد أقسى الحجارة، وقد عزل «لين» نفسه بسهولة من الحياة المدينة وتحصن بالمؤن والأغذية كالبيض واللبن والزبد ولحم الجمال وهى الأشياء التى اشتراها من القرى المجاورة والتى كان أقربها يبعد عن «مقره التاريخى» بنحو ميل واحد وكان إذا احتاج للخبز يؤجر من يخبزه له وكان بمقدوره أن يحصل على الأشياء الكمالية، ولكنه خشى أن تلهيه الرفاهية عن عمله.

وقد قام «لين» باستئجار اثنين من رجال البدو من أقرب قرية كى يناما عند باب المقبرة التى يعيش فيها تحسبا لهجوم بدو آخرين عليه.

وقد اطلع «لين» على سيرة أبو زيد الهلالى أو السيرة الهلالية من بعض رواتها على مقاهى القاهرة، ومن أحد الجنود الفارين من جيش محمد على باشا، والذى لجأ طالبا الإقامة معه فى المقبرة الأثرية حيث كان «لين» يسمعه كل مساء ينشد مقاطع من السيرة الهلالية التى اعتبرها «لين» ذات ميزة أدبية قيمة، وهى برأيه سجل للسلوك والعادات البدوية وقد كتب «لين» فصلا كاملا عن السيرة الهلالية فى كتابه «المصريون المعاصرون»، إلا أن بقاءه فى المقبرة الأثرية وطوافه اليومى المتجدد بمنطقة الأهرامات، وما يحيطها من مصاطب ومقابر ساعد «لين» خلال أسبوعين من العمل المكثف على رسم خريطة لكل الموقع ورسم لوحات عديدة أكثرها شديدة الجودة، كما قام بقياس دقيق لكثير من الآثار وقام بتجهيز وصف تفصيلى للأهرامات الثلاثة الكبرى الأساسية وأبو الهول واختبر عدة مصاطب مهمة فى الجبانة الشرقية والغربية والمقابر المنحوتة من الحجر خلف أبو الهول، وقد جاءت النتيجة متفوقة على ما سبقها من تجارب غربية فى مجال علم الآثار المصرية، وبالتحديد الموسوعة الفرنسية التى تحمل وصف مصر أيضا.

وكان «لين» معنيا جدا بالآثار المصرية القديمة، وكان عند بداية قدومه إلى مصر يكرس أكثر من نصف وقته للآثار الفرعونية، ولإنجاز كتابه الثرى «وصف مصر»، إلى جانب اهتمامه أيضا بالمجتمع العربى المعاصر وباللغة العربية التى مكنته من انجاز ألف ليلة وليلة.

وظل «لين» مولعا بالأهرامات، ولذلك كان يذهب مع بزوغ الفجر قبل انفراج الضوء وتوهجه إلى الهرم الأكبر بصحبة خادمه، ليشهد غروب القمر وشروق الشمس على الجسد المهيب للهرم الأكبر، حيث تكون الرياح قوية والصقيع شديدا لكنه يصمد لأجل سحر اللحظة.

حفظ الله مصر وأهلها

[email protected]