رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت

 وكنت أظن أنها لا تفرج

 

يحكى عن رجل صالح يعرف باسم «ابن جدعان»، أنه ذات يوم لاحظ أن ناقته غزيرة اللبن، وتدر عليه خيراً وفيراً، فتذكر جاره الفقير الذى يربى سبعة أبناء، وقرر أن يتصدق عليه بالناقة حتى يعيش من خيرها، فعاش الجار حياة سعيدة بفضل هذه الهدية المميزة التى كان يشرب من لبنها، ويبيع صغارها، ويركب على ظهرها لقضاء مهامه.

وذات يوم بعد أن بدأ موسم الصيف، وتشققت الأرض، وبدأ البدو يرتحلون بحثاً عن الماء، وكانت من عادتهم البحث فى حفر أرضية تضم آبار المياه تعرف باسم «الدحول»، وقد ذهب «ابن جدعان» بحثاً عن المال، وغاب كثير داخل «الدحل»، انتظر أبناؤه بضعة أيام ولكنه لم يظهر، فاعتقدوا أنه قد مات بسبب لدغة ثعبان، وذهبوا ليقتسموا أمواله وتركته.

وأثناء توزيع المال اقترح أحد الأبناء أن يأخذوا الناقة من الجار فهى ملك لهم، وأن يمنحوه بدلاً منها بعيراً أجرب، فوافق الإخوة طمعاً فى المزيد، وذهبوا إلى الجار طالبين الناقة، وهددوه بأنهم سيأخذونها عنوة، فقال لهم: «سأشكوكم لأبيكم»، فأخبروه بأنه مات وقصوا عليه ما حدث فى «الدحل».

طلب الجار من الأبناء أن يدلوه على مكان «الدحل» حتى يعطيهم الناقة، فوافقوا، وذهب إلى «الدحل» فدخله ومعه حبل وشعلة كبيرة، وأخذ يبحث عن صديقه «ابن جدعان» حتى سمع أنين شخص ما، فزحف إليه ووجده ما زال يتنفس، فأخرجه من «الدحل» وأطعمه وسقاه، وأخذه إلى داره ليرعاه حتى استرد عافيته.

ثم جاء الجار إلى صديقه، وسأله: كيف عشت أسبوعاً تحت الأرض من دون طعام ولم تمت، فقال له إنه حدث معه أمر غريب جداً، فعندما تاه فى الدحل كان يرتوى من مائه، ولكن الماء وحده لم يكن كافياً للعيش، فإذا بإناء يتدفق منه لبن دافئ فى الظلام ليسقيه، وقد كان هذا الأمر يتكرر ثلاث مرات فى اليوم عدة أيام، ولكنه انقطع فى آخر يومين، فقال له الجار إنه منذ يومين فقط جاء أبناؤه ليأخذوا الناقة، ومنذ ذلك الحين انقطع اللبن عن «ابن جدعان»، فتعجب الاثنان كثيراً، فما أنقذ هذا الرجل سوى الصدقة التى تبرَّع بها، ومن هنا جاءت مقولة «ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج».

فكم من أزمة كبيرة نمر بها فى حياتنا ونعتقد أنها لن تحل، ثم فجأة تتحسن الأحوال وتزدهر الحياة من جديد، فالأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة والمخيفة التى يشعر بها كل كائن على وجه الله، وتلسع نيرانها أصابع وجيوب كل مواطن، خاصة الفئات البسيطة المهمشة الفقيرة، أو التى تحت خط الفقر أو التى لم تجد هذا الخط هذه الأيام، هذه الأزمة تحتاج إلى جانب الإجراءات التى تتخذها الحكومة للتخفيف من حدتها، وإلى جانب الإجراءات التى يجب أن يلجأ إليها المستهلكون للسلع وخاصة السلع الغذائية وهم المواطنون، ومنها التقشف ثم التقشف ثم التقشف «بالثلاثة»، والاستهلاك بالحد الأدنى من الاحتياجات، وترتيب الأولويات والاقتصاد فى استهلاك الطاقة، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فى هذه الأزمة، فإن على القادرين دون تصنيف أن ينفقوا مما يحبون حتى ينالوا البر، كما ناله «ابن جدعان» الذى أنقذه عمل الخير من الموت فى الدحل، فقد تصدق بأحب ناقة إليه لجاره الفقير، فكانت سبباً فى إنقاذه.

أحد أسباب مرور الأزمة الاقتصادية هو أن نعود إلى المثل القديم الذى كانت تطبقه الأسر فى الريف وهو «المعون المليان يكب على المعون الفاضى»، أن نحيى مبدأ المسئولية الاجتماعية، الأغنياء يدفعون من أموالهم للفقراء، إلى جانب مشروع تكافل وكرامة الذى تطبقه الدولة، أن يدفع الأغنياء ما عليهم من ضرائب للدولة، بخلاف تبرعاتهم للصناديق المختلفة وللمشروعات الخدمية مثل الصحة والتعليم، أن يكون فى أموالهم حق للسائل والمحروم، حتى نعبر الأزمة فى إطار من التراحم والتواد والتعاطف، وأن يكف التجار عن استغلال الأزمة، لأن ما يحصلون عليه دون حق ويعتبرونه أرباحاً هو مال حرام قد يذهب فى لحظة، الجشع ورفع الأسعار، واستغلال الأزمة سيكون عقابه مضاعفاً فى المال والولد، لأن هناك فقراء يرفعون أكفهم إلى السماء!!