رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الحقيقة الثابتة فى الحياة أنها تتغير، وعندما نسأل ماذا تغير فى مصر والمصريين، فليس من الحكمة أو التفكير العلمى المنظم أن نرصد التغير ونقيسه خلال نصف قرن أو قرن من الزمان. التغير يحدث بفعل تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تنعكس على الناس وتعيد رسم خرائطهم النفسية والفكرية على مدى قرون وأجيال.. المصريون اليوم أكثر من مائة مليون، وما يحدث من تفاعلات وسط كتلة بشرية كهذه، ليس كما كان الحال سائدا بين أقل من خمسة ملايين نسمة وقت دخل نابليون مصر 1798، ولا كما كانت عليه الأحوال وقت أن كان عدد سكان مصر 20 مليون نسمة عام 1952.. نابليون دخل مصر وعدد سكان القاهرة 250 ألف نسمة، واليوم عدد سكان القاهرة الكبرى يتجاوز الـ25 مليون نسمة.. الحنين إلى الماضى شعور يغالب ويداعب ويستقوى على الكثير من المصريين المعاصرين، والحقيقة أنه نوع من الحنين المرضى إلى صور وخيالات لو عادت بتفاصيلها وواقعها لكان أول من هرب أمامها هم أنفسهم من يتألمون اشتياقا لها. أعتقد أننا جميعا نخلط بين الحنين لعمر معين، والحنين لزمن.. الحنين لعمر شعور ذاتى يخص كل فرد على حدة، بمعنى أننى أنا وأنت وهى، يشدنا الحنين لأيام الشباب والصبا وقت أن كنا جيران للقمر والنجوم، وكنا كطيور تحلق بعيدًا مع أحلامها.. أما الحنين لزمن فهى مسألة ذات بعد اجتماعى، لأنها تعنى الشوق لنمط حياة وتقاليد وثقافة كانت سائدة يوما ما.

الحكاية ليست كم كان سعر الرغيف زمان، وعلاقة الجيران ببعضهم البعض، والأمانة والصدق وشرف الكلمة وراحة البال.. الوجود الإنسانى بدأ بجريمة، وهبط آدم من السماء للأرض قبل الوجود عقابا أزليا له ولنا من بعده رغم أننا لم نتورط معه ولم نتآمر ولا حتى كنا شهودا. فى كل زمان الجريمة موجودة، وللفساد والإفساد ألف وجه، والخطايا النائمة والمختبئة بلا حدود.. التقيت بسيد الرواية العربية وعمدتها الكبير الأستاذ نجيب محفوظ عام 1987 فى حوار تليفزيونى استمر ساعتين بمكتبه بجريدة الأهرام، وقال لى بالحرف الواحد: الجريمة هى الجريمة على مر التاريخ، والفارق فقط أننا اليوم نعرف بها فور وقوعها، وزمان كان الناس يسمعون بها بعد حدوثها أحياناً بشهور.. الحنين للماضى «النوستالجيا» فى الغالب هو شعور يهاجمنا كلما اقتربنا من نهاية اللعبة وشعرنا أننا خسرنا المواجهة. أكبر إشكالية وجودية أن ينسحب البعض من مسرح الحياة قبل نهاية القصة اعتقادا منهم أن النهايات قد اختلفت كثيرا عن شغف وبهجة البدايات.

المؤكد أن حاضرنا ولحظتنا الراهنة، أفضل كثيرا من ماض لن يعود، ومن الأفضل ألا يعود. لو تصورنا عودة افتراضية للماضى قبل مائة عام فقط، فنحن فى انتظار عودة بلد محتل، وأوبئة تفتك بالناس بين حين وحين، عودة ستفرض علينا أن يكون حلمنا الأثير أن نلبس حذاء، ونستر أجسادنا بهدمة بالية، وألا يموت أطفالنا صغارا تحت وطأة الفقر والمرض..

من مظاهر قوة الأمم أن يكون لدى أبنائها إيمان بحقائق التطور، وأن الانتقال من واقع الفقر إلى واقع الوفرة، ومن واقع الجهل إلى واقع العلم والتقدم، يحتاج لأمة واعية بأنها هى التى ستصنع بنفسها هذا التغير ولن يأتيها عطية من السماء.. المصريون الآن واليوم بنظرى أقرب ما يكونون لإحداث التغيير الكبير، وما أقوله ليس من باب الاستغناء عن الواقع بالتمنى، ولكنه فى حقيقته اختراق للواقع واستحضار لمكنوناته وطاقاته.. كلما بدا الاختلاف كبيرا فى عقل وذوق وأنماط تفكير الأجيال الجديدة عن أجيال سابقة عليها، فهذا مؤشر قوى لقرب التغيير، وسيظل المستقبل حقا للراكضين نحوه بجسارة المكتشفين.

فى كل الأحوال، هذه هى قوانين الحياة، ومن السذاجة والضعف أن نختبئ خلف أسوار الماضى هربا من معركة الوجود والحرية والكرامة، ومن مستقبل يتبدى لنا أحياناً مثل السراب أو الحمل الكاذب.. دليل حياتك ليس أنك لم تمت بعد، وإنما سر وروعة الحياة سيظل فى تصورك أنك ستموت وقت أن تعجز عن الشعور بالبهجة والدهشة وانتظار أشواقك الآتية غدا، حتى وإن لم تأت أبداً.