رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حفنة كلام

 

ذكرياتى عن رمضان تعود إلى طفولتى، فرمضان فى قريتى «العُويْضات» بمركز قفط محافظة قنا له طقوس مختلفة،عندما كنا صغارًا لم تكن الكهرباء قد وصلت إلى قريتنا كانت بيوتنا شِبه مكيَّفة لأن الجدار قد يصل سُمكه إلى متر والأسقف عالية تصل إلى ثلاثة أمتار، مع «طاقة» أعلى الشبايبك المرتفعة للهواء والنور وللشكل الجمالى أيضًا، كان بيتنا يقع فى وسط القرية، وقد حرص أجدادنا على بناء بيوتهم بعيدًا عن الشارع الرئيسى بالقرية حتى لا يرى الجَمّالة نساء العائلة عند مرورهم بجمالهم، وهذا سرٌّ لم أعرفه إلا مؤخرا.

قُبيل المغرب يتجمع أطفال القرية دون اتفاق تحت مئذنة الجامع العتيق بالقرية، المئذنة قديمة عالية كلُّ البيوت حولها أقل ارتفاعًا منها وهذا ما جعل الناس فى القرى يُفضلون أن يكون المؤذن مكفوف البصر حتى لا يرى من علٍ بناتَ الناس، لكن الشيخ خليل كان يغمض عينيْه وكأنه أعمى بينما يطوف حول المئذنة فى أثناء الأذان. يأتى الشيخ خليل أبو جلال، كان آنذاك قد تجاوز الستين لكنه نحيف نشيط، بجلبابه الأبيض وعمامته الخضراء التى تميزه عن سائر عمامات رجال قريتنا البيضاء، يدخل الشيخ إلى الوضوء بالماء الذى كان الشيخ حسين أبو سْعيد رحمه الله قد امتاحه من البئر بمفرده، وكان مكفوف البصر يملأ أحواض مياه المسجد ليلًا ونهارًا، ولا سيما قُبيل الفجر فى البرد القارس، يدخل الشيخ خليل أبو جلال ويتوضأ ونحن نرمقه متلهفين إلى صعوده سُلّم المئذنة ثم يلف العمامتين فى تؤدة، ثم ينظر للسماء ويهمهم بأدعية ثم يخطو باتجاه المئذنة.

كيف كان يتحسس طريقه فى الظلام حتى يصعد (جوسق المئذنة) أعلى المئذنة؟ كيف تساعده قدماه للصعود الرأسى دون تعب؟ كان يمضى حتى يظهر فى الشرّافة الأولى، لكنه يختفى برهة ليصعد إلى الشرافة الثانية، حبسنا أنفسنا فى تلهّف متسائلين متى يُكَبِّر؟، كانت كلُّ القرى والمزارع حول القرية تنتظر طلعته على الشرّافة الثانية وصوته المعبّر الذى لا يشبهه صوت أحد، الجميع متلهّف لصوته الذى يبدو كأنه قادم من السماء يتهادى فى مسامعنا.. حينما يقول الشيخ خليل « الله أكبر» نجرى فى سرعة خاطفة فى شوارع القرية الضيّقة ليبلغ كلٌّ منا أهله المتجمعين على الطَّبلية فى انتظار صوت الشيخ خليل أو قدومنا مستبشرين «افطر يا صايم».

تبدأ صلاة التراويح عقب صلاة العشاء وهنا نرى الشيخ عبدالحليم الطاهر رحمه الله إمام المسجد وهو يقرأ القرآن الكريم بصوت خاشع مؤثر.. متى ينام الشيخ خليل؟ لا ندرى لأنه بعد منتصف الليل يعلو المئذنة ويطوف حول الشرَّافة الثانية العالية، ثم يبدأ فى صوت أشبه بالحداء، بالنداء على النُّوّم يدعوهم للتهجد والعمل الصالح والعدل، ويخرج أحيانًا عن النصوص التقليدية فى إلهام إبداعى مدهش.

< مختتم="">

«قلوب العارفين لها عيون

ترى ما لا يراه المبصرون».