رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

لا ينكر فضل نجيب محفوظ على السينما المصرية إلا جاحد أو غير عارف، فالرجل رفد الفن السابع بعشرات الروايات والسيناريوهات والمعالجات التى عززت حضور الفيلم السينمائى فى وجدان الملايين وأمتعتهم، ومع ذلك يخيل إلى أن السينما لم تتعامل مع صاحب نوبل 1988 بالتى هى أحسن! وسأشرح ذلك فى السطور القادمة.

يؤكد نجيب فى حواراته أن المخرج العبقرى صلاح أبوسيف (1915/ 1996) هو الذى قاده إلى دنيا البلاتوهات العامرة بالإبداع، كما يشير أيضًا إلى أن عشقه للسينما ترسخ فى ذائقته منذ الصغر، إذ كان حريصًا على مشاهدة الأفلام باستمرار، وهكذا تعلم صاحب (الحرافيش) فنون السيناريو على يد «أبوسيف»، فكان أول سيناريو يكتبه بالمشاركة مع أستاذه هو سيناريو فيلم (المنتقم) الذى عرض فى 11 أغسطس عام 1947 وأخرجه أبوسيف ولعب أدوار البطولة كل من أحمد سالم ونور الهدى ومحمود المليجى.

ثم انهمرت الأفلام التى كتب لها محفوظ السيناريوهات بعد ذلك، أذكر منها (مغامرات عنتر وعبلة 1948)، (لك يوم يا ظالم 1951)، ثم (ريا وسكينة 1953)، و(الوحش/ جعلونى مجرمًا 1954)، وفى هذا العام تحديدًا كتب محفوظ أول قصة مخصصة للسينما فقط وهى (فتوات الحسينية) التى حققها المخرج نيازى مصطفى الذى شارك محفوظ فى كتابة السيناريو أيضًا، وبعد ذلك بعام، أى فى 1955، كتب قصة فيلم (درب المهابيل) الذى أخرجه توفيق صالح بعد أن شارك محفوظ فى كتابة السيناريو مثلما فعل نيازى من قبل.

هكذا ظل محفوظ يكتب القصص السينمائية أو السيناريوهات طوال ثلاثين عامًا تقريبًا، لكن السينما لم تلتفت إلى رواياته المنشورة فى كتب إلا عام 1960، حين أقدم «صلاح أبوسيف» على تحويل تحفته (بداية ونهاية) إلى فيلم رغم أنها صدرت سنة 1949، فلما حقق هذا الفيلم نجاحًا كبيرًا انتبه صناع الأفلام إلى أن روايات الرجل كنز ثمين يمكن استثماره فى صناعة الأفلام.

اللافت أن كمال الشيخ لم ينتظر طويلا حتى قرر التعامل سينمائيًا مع رواية محفوظ (اللص والكلاب) التى صدرت عام 1961، إذ سرعان ما أنجزها لتعرض على الشاشة فى العام التالى، وهرع حسن الإمام إلى كنوز نجيب، فصنع من روايات محفوظ أفلامًا (زقاق المدق/ بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية)، كما تحمس مخرجون آخرون لروايات صاحب (ثرثرة فوق النيل) وحولوها إلى أفلام.

ولكن... وآه من قسوتها ولكن كما يقول صلاح عبدالصبور، لم ينجح أحد من صناع السينما فى اقتناص جوهر إبداع هذا الرجل الفذ إلا عدد محدود جدًا من المخرجين مثل صلاح أبوسيف، لذا اتسمت الغالبية العظمى من الأفلام المأخوذة عن روايات محفوظ بالسذاجة والسطحية، حتى أن تحفته الخالدة (الحرافيش) تم تمزيقها إلى ستة أفلام بائسة!

يبقى أن نشير إلى ثلاث مسائل فى علاقة محفوظ بالسينما: الأولى أنه لم يكتب أى سيناريو لأى رواية من رواياته على الإطلاق، أما المسألة الثانية فهو رغم قيامه بكتابة عشرات السيناريوهات إلا أنه لم يكتب حوار أى فيلم، وكان يفسر ذلك بقوله: (إن الحوار فى السينما يستوجب اللهجة العامية، وأنا لا أستطيع الكتابة بالعامية)، بينما تتمثل المسألة الأخيرة فى أن تحويل رواياته إلى أفلام أفادته من حيث الذيوع والشهرة، لكنها حرمت الكثير من قراءة نصوص تلك الروايات، لأن الناس اكتفت بمشاهدة الأفلام!

الغريب أن هناك ثلاث روايات لمحفوظ لم تقترب منها السينما حتى الآن، وهى (حضرة المحترم 1975)، و(العائش فى الحقيقة 1985)، و(قشتمر 1988)، غير رواياته التاريخية الأولى، فهل نطمع أن يقدم مخرج جاد محترم على التعامل مع هذه الأعمال الفاتنة بالتى هى أحسن؟