رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

الصناعة الوحيدة التى مازالت مستمرة فى الصعيد، منذ القدماء المصريين قبل 4 آلاف سنة.. وحتى الآن هى صناعة العيش الشمسي، والمرأة الصعيدية هى الوحيدة من بين نساء مصر كلهن التى مازالت تصنع العيش الشمسى بنفس طريقة صناعة المرأة المصرية القديمة.. وكل رجالة الصعيد لحم كتافهم من العيش الشمسى وليس من العيش المصري!

وكلمة «العيش»، كما هو واضح تبدو مشتقة من يعيش بمعنى يحيا أو الحياة.. ولكن الكلمة كانت تشير عند كتابتها على المعابد المصرية القديمة إلى الخبز المقدس، لأن الخبز كان يقدم كقرابين للآلهة، لذلك ليس غريباً أن وجود العيش الشمسى على مائدة الصعيدى هو شيء مقدس.. ولو كان أمامه أشهى المأكولات والمشمّر والمحمّر.. ولا يوجد عيش يكون الأكل بدون طعم، ومن المستحيل أن يأكل الصعيدى الملوخية والويكة بدون العيش الشمسي.. وهذا فى الأيام العادية فما بالكم فى رمضان.. ولا توجد سيدة أو فتاة صعيدية لا تعرف خبز العيش الشمسى من أول تحضير الخميرة قبل الخبيز بليلة وحتى إخراج العيش من الفرن الحامية اليوم الثاني!

والعيش الشمسي.. كما هو واضح من اسمه علاقته بالشمس أساسية، فهو لا يخمر إلا فى الشمس.. ويتردد أن اسمه وشكله الدائرى مأخوذ من قرص الشمس رمز الإله رع، حتى أن استخدام « السلاعة» وهى الشوكة الطويلة بسعف النخيل، لشكشكة رغيف العيش من جوانبه بشكل دائري.. فهذا غير صحيح، حيث إن الشمس مهمة لتخمير الرغيف وهو لا يزال عجيناً، والشكشكة الجانبية هذه لإعطاء فرصة للعجين أن يتمدد من الجوانب اثناء التخمير، ويتنفس وإلا سيتمدد الى أعلى ويكون شكله مثل البالونة وممكن أن ينفجر وهو داخل الفرن .. ولذلك الشكشكة مهمة والشمس بنفس الأهمية والمرأة فى الصعيد تفهم فى المناخ والطقس ولا أحسن خبيرة أرصاد جوية.. والست «الخايبة» هى التى تخبز فى يوم فيه غيوم، فمن المستحيل يخمّر وسيكون مثله مثل « المقرصة» المفرود عليها!

ونظراً لأهمية العيش الشمسى فى الصعيد تحول إلى «عملة».. فقد كنا ونحن صغار نسمع صوت « الشحاتة» بمقطفها الكبير على رأسها تنادى «لله» نجرى بربع رغيف على الأقل ونعطيه لها مقابل أن نحصل على « ترّانة»، وهى لمن لا يعرف عبارة عن مروحة ورقية ملونة فى عصى من سعف النخيل تدور بشدة فى الهواء.. وهى بدورها تبيع ما تجمعه من عيش تبيعه لمن يرعى الغنم، وكذلك عندما يمر فى الشارع الرجل الذى يبيع للأطفال «الربابة» الملونة الصغيرة مقابل ربع أو نصف رغيف.. وهو كذلك يبيع ما يجمعه من خبز والذى عادة كنا نسرقه خلسة من أمهاتنا!

العيش الشمسى فى الصعيد.. حواديته كثيرة، وأدواته واستخداماته أيضاً كثيرة.. فهو من الممكن أن يتحول إلى «قراقيش» عند وضعه فى الفرن الساخنة، ويستخدم كمؤونة وقوت للصعايدة الذين يسافرون للعمل فى المعمار فى القاهرة، حيث لا يستطعمون خبز الأفران المعروف باسم العيش «المصري»، امتداداً لإطلاق اسم مصر على «القاهرة» ، وكانوا كذلك يأخذونه معهم عندما يسافرون للعمل بالخليج، حيث إن «القرقشة» تحميه من العطن وعفن الخبز ويعيش شهوراً على هذا الحالة «الناشفة» ويكفى بله ببعض الماء ليعود طرياً صالحاً للأكل!

وكان أجمل ما فى يوم الخبيز للأطفال فى الصعيد.. هو «الحنون» وهو عبارة عن رغيف صغير تصنعه الأمهات لأطفالهن، ويضعن فيه وهو ساخن معلقة سمن بلدى وبعض السكر..  ولا شيء يمكن أن يكون أروع وأجمل من رائحة وطعم «حنون» بنار الفرن!

 

 

[email protected]