رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

بعد أيام قليلة من حادث قطار الصعيد، الذى أحزن كل مصرى، جاءت واقعة شحط السفينة، التى شغلت كل بلاد الدنيا وليس فى مصر فقط.. ومن بعدهما موكب المومياوات الملكية الذى أذهل العالم.. حوادث ووقائع واحتفالات، تشاء الأقدار أن تأتى فى توقيت واحد تقريبًا، وكلها عكس بعضها البعض، وكلها فى بلد واحد، وعلى أرض واحدة تجتمع فيها كل المتناقضات.. الصح والخطأ، الحقيقة والكذب، الإهمال والمهارة، الكسل والعمل.. فعلًا حاجة لها العجب؟

عاش المصرى القديم على هذا الأرض يبنى حضارة متفردة من أجل الموت لا من أجل الحياة.. لم يبن قصورًا ولكنه بنى مقابر، وكل ما أبدعه من فكر وعلوم وفنون لم يكن للتمتع بها فى الدنيا بل كانت للآخرة.. ووصل إلى قمة علوم الهندسة التى لم يصلها إليه أحد من البشر حتى الآن ليس لبناء أكبر برج للمولات والتسوق، أو أعظم ناطحة سحاب سكنية وإدارية وتجارية.. ولكن بنى الأهرامات أكبر جبانة لدفن الموتى عرفها العالم القديم والمعاصر.. فعلا حاجة لها العجب!

لم يشغل المصرى القديم نفسه بالفلسفة والبحث عن إجابات للأسئلة مثل الفلاسفة والمفكرين سواء عن الطبيعة وما رواء الطبيعة، وحول نشأة الكون أو مصير الروح لما بعد الموت كما فعل من بعده الإغريق واليونانيين وغيرهم، لأن المصرى ببساطة كان يمتلك إجابة واحدة، وإيمان واحد.. وعقيدة راسخة عن الخلود، وإنه سيبعث من جديد بنفس الاسم والجسد.. حتى الكتاب الوحيد الذى جمع فيه كل أفكاره اسمه «كتاب الموتى».. وكذلك استخدم كل ما وصل إليه من علوم مازالت تعتبر معجزة حتى الآن لتحنيط الموتى أكثر من علاج الأحياء.. فعلًا حاجة لها العجب!

ولما وصلت رسالة السيد المسيح عليه السلام إلى مصر صار اسمها القبطية لا المسيحية، والكنيسة المصرية تفردت وحدها بمسيحيتها وإيمانها عن بقية كنائس العالم، وأصبح اسمها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والبابا لقبه بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، ولا يرأسه بابا الفاتيكان، وإنما هناك كنيسة مصرية تمثل الأرثوذكس فى العالم، فى مقابل كنيسة الفاتيكان التى تمثل الكاثوليك.. وهكذا يمكن القول إن هناك مسيحية مصرية خالصة، ومسيحية أخرى لبقية العالم.. فعلًا حاجة لها العجب!

حتى الإسلام عندما دخل مصر، سواء كان بالفتح أو بالغزو، ليس محل نقاشنا، فإنه مع مرور السنوات صار إسلامًا مصريًا فى مظاهره واشكاله العديدة المختلفة عن غيرها فى بقية بلدان العالم الإسلامى.. لدرجة أن احتفالات المصريين بشهر رمضان جعلته مختلفًا عن كل رمضان فى الدول الأخرى.. وكل الزائرين من هذه الدول يأتون مصر ليعيشوا أجواء رمضان مصر، وكأن بلدانهم ليس فيها رمضان.. حتى مدرسة تفسير القرآن الكريم وشروحات الأحاديث النبوية فى مصر مختلفة، وكذلك إجلال وتوقير الرسول عليه السلام، بالاحتفال بمولده الكريم وبآل البيت.. وإسلام مصر مختلف فى تلاوة وتجويد القرآن، وفى الابتهالات والمداحين والموالد والصوفية.. وإسلام مصر الأزهر لم يتخرج منه أى عالم بل يتخرج منه طه حسين، أبرز المفكرين التنويريين فى العالم العربى والإسلامى.. فعلًا حاجة لها العجب!

يبدو أن بلاد الحضارات المتنوعة، والثقافات المتعددة تجمع كل محاسن وسوءات البشر.. ربما هذا هو التفسير لما يحدث فى مصر أرض العجائب!

[email protected]