رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى نهاية التسعينات كتبت مقالا فى صحيفة «البيان» الإماراتية عن القدس والخطط الإسرائيلية لتهويدها. واستعنت فى المقال بأرقام قدمتها دراسات مختلفة عن هذه الخطط وتكشف عن ملامح السياسة الإسرائيلية فى هذا الشأن والتى تعتمد محاور أساسية أهمها سياسة النفس الطويل وفرض الأمر الواقع مع السير فى الوقت نفسه فى التفاوض مع الخصم لمنحه الأمل بإمكانية التوصل إلى حل للمشكلة محل التفاوض.

وعلى سبيل المثال فإنه إذا كانت اسرائيل سيطرت على نصف مساحة القدس فى بداية الصراع مثلا فيما يمتلك الطرف الفلسطينى النصف الآخر، فإن سياستها فى هذه الحالة ستقوم على أساس محاولة قضم المزيد من أراضى القدس ولتكن عشرين بالمائة مثلا خلال خمس سنوات، لتصبح النسبة التى تسيطر عليها إسرائيل 70 بالمئة فيما لا يسيطر الفلسطينيون سوى على 30 فى المئة على أن تبدأ أى مفاوضات أخرى من منطلق النسبة الجديدة القائمة على أرض الواقع، فى ذات الوقت الذى تواصل فيه اسرائيل محاولة قضم أراض جديدة مع الاستمرار فى التفاوض لينتهى الحال بعد خمس سنوات أو عشر أو عشرين أو حتى خمسين سنة وقد التهمت إسرائيل القدس بأكملها إلى الحد الذى لا يعود معه هناك قدس يمكن أن تكون تحت سيطرة الفلسطينيين، ولتكون عملية التفاوض بذلك ليست سوى تفاوض على «لا شىء» وفرضت واقعا على الأرض يصعب تغييره.

ولو استدعت الظروف ترضية الطرف الآخر الفلسطينى، فإنه يمكن اختراع قدس جديدة له ليست لها علاقة بالقدس الحقيقية ولتكن منطقة على مشارف القدس وليكن اسمها أبو ديس مثلا يتم إطلاق تسمية القدس عليها لكى يبدو أن المفاوضات قد خرجت بنتيجة مرضية تحفظ ماء وجه الطرف الفلسطينى الذى انخرط فى التفاوض وتعلق بآمال – بغض النظر عن أنها كاذبة – بإمكانية وضع يده على جزء يراه هو الجزء الفلسطينى من القدس.

وفى مقال آخر منذ نحو عام أو أكثر وفى إطار متابعتى لقضية مفاوضات سد النهضة كنت قد أشرت إلى وجود أوجه تشابه بين التكتيكات الإثيوبية فى التفاوض مع نظيرتها الإسرائيلية وهو الأمر الذى أشار إليه آخرون فيما بعد فيما يبدو لأن مظاهر هذا التشابه بدت واضحة ولم تتطلب كثيراً من الاجتهاد.

لعل السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو: إذا اتفقنا على وجود مثل هذا التشابه، فما هى مصادر تحققه؟ هل درست إثيوبيا مثلا الصراع الذى خاضه العرب مع خصوم آخرين لكى تستفيد من تجربة ذلك الصراع ونمط الإدارة الإسرائيلية له لكى تطبقها مع مصر؟ أم أن إسرائيل تطوعت بتقديم خبراتها لإثيوبيا فى إطار الكيد لمصر وهو أمر ربما يكون قائما فى إطار تعاون الدولتين والذى تطور بعد زيارة نتنياهو لإثيوبيا وحديثه أمام البرلمان الإثيوبى عن مشروعات عديدة لتطوير العلاقات الثنائية.

رغم أهمية هذا السؤال، إلا أنه يمكن تجاوزه باعتبار أن الإجابة عليه قد لا تضيف لنا الكثير فى خبرة التعامل مع إثيوبيا، فضلا عن اختلاف ظروف الأزمة إلى جانب حقيقة أن طبيعة علاقات القوى بين الطرفين فى حالة سد النهضة تختلف كثيرا عنها فى حالة الصراع العربى الإسرائيلى ما يعنى أن مسارات التفاوض ربما – بالبديهة والسليقة– يجب أن تختلف فى قضية سد النهضة عن سابقتها، إذا استبعدنا أصلا فرضية إمكانية استفادة مصر من خبرة التفاوض الإسرائيلية والتى تتسم بالملامح التى تمت الإشارة إليها من نفس طويل وفرض أمر واقع والمفاوضات الإلهائية أو «العبثية».

السؤال الأكثر إلحاحا: هل وقعنا فى الفخ ذاته ولكن مع خصم مختلف؟ وألم تكن سنوات التفاوض العديدة، ما بين عشر إلى ست سنوات، كفيلة بحسم ملف هذه القضية؟ ألم ينتبه المفاوض المصرى إلى أن المفاوضات استخدمت من قبل إثيوبيا لفرض واقع على الأرض يصعب تغييره؟ ثم أليس موقف أديس أبابا فى نهاية مفاوضات واشنطن بالذات كان واضحا بما فيه الكفاية على المراوغة الإثيوبية؟

وإذا كانت مصر تريد أن تثبت حسن نيتها أمام العالم أجمع، فألم يكن ملء إثيوبيا السد خطوة كفيلة بذلك وبالتيقن من أن المفاوضات تم تفريغها من مضمونها وأن ذلك كان يوفر الحجة لمصر على إثيوبيا أمام الجميع؟ وإذا كانت هناك رؤية مصرية بأن الأزمة لن تحل سوى بالمفاوضات وأن هذه المفاوضات قد تستغرق وقتا، فألا نخشى أن تستمر عملية التفاوض حتى يتم الملء الثانى فى العام المقبل؟ ألا نخشى من أن يكون هذا الوقت سنوات يكون السد معها قد امتلأ تماما؟ ما يعنى فى التحليل الأخير أنه ليس هناك شىء يتم التفاوض عليه، على شاكلة التعقيد الذى نراه فى التواجد الإسرائيلى فى الضفة بشكل يجعل قيام دولة فلسطينية مترابطة الأراضى أمرا مستحيلا؟!

وإذا كان المفاوض الإسرائيلى بعلاقته بالولايات المتحدة وهيمنته استطاع أن يفرض رؤاه، فما هى الأوراق التى يملكها المفاوض الإثيوبى ومكنته من تحقيق النتيجة ذاتها؟ أظن أنه ليس هناك من تفسير سوى أن المفاوض المصرى يرى ما لا نراه لأنه من المؤكد أنه ليس بالبساطة التى ربما تبدو لبعض المتابعين لسير المفاوضات. هذا هو أملنا وقد يكون يقيننا الذى يجعلنا فى حالة اطمئنان إلى أن أزمة سد النهضة لن تنتهى سوى بما يلبى المطالب المصرية العادلة.

[email protected]