رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حفنة كلام

 

 

 

فى الطريق إلى قرية المحروسة بمحافظة قنا لتأدية واجب العزاء فى الرائد الشهيد محمود جمال منتصر الذى قُتل غدرًا فى حربنا ضد الإرهاب بسيناء كنت أفكر فى الكلمات التى أواسى بها أباه وأهله، ورحت أفكر فى حجم الفاجعة التى ألمت بأبيه وأمه وحرمه وطفليه، لكنى حين رأيت صبر أبيه وتجلده أدركت أن للشهداء صبرًا ينزله الله فى قلوب ذويهم، رأيت رجلًا صبورًا ذكرنى بالشاعر أبوالحسن التهامى وقد فقد ابنه فقال أصدق قصيدة فى رثاء الابن والصبر:

حُكْمُ المنية فى البرية جارِ

ما هذه الدنيا بدار قرارِ

بيْنا يُرى الانسان فيها مخبرا

حتى يُرى خبرا من الأخبارِ

كيف يكون صامدًا صبورًا أمام فجيعة كتلك، لكنها الإرادة والصبر، وبينما كان المقرئ المتقن ذو الصوت المؤثر يقرأ آيات من القرآن الكريم كنت أفكر فى أم الشهيد وألم الفقد لكن عندما عدتُ للمنزل وجدت تلميذتى النجيبة رهام عمر كرام تنشر على صفحتها ما رأته فى بيت الشهيد،  وسأنقل ما كتبَته بجمال تعبيرها وصدق إحساسها: 

«لسة راجعة من عند طنط هالة والدة الشهيد الرائد محمود جمال منتصر.. أول ما دخلت العزاء لقيتها لابسة أبيض وهادية وماسكة المصحف فى إيدها وبجانبها العقيد محمود ياسين سعد وضابط آخر فى ملابس مدنية وزوجها.. قامت واستقبلتنى وهى بتمسح دموعى وتقولى متبكيش أنا راضية يا رهام هو فى الجنة.. كنت عارفة إننى لن أتحكم فى دموعى وكنت عارفة إنها هى التى ستواسينا وتخفف عنا كما فعلت عند وفاة ابنتها العروس التى ستمر 12 سنة على وفاتها بعد عدة أيام. 

نفس الثبات والرضا بأمر اللّه والهدوء النفسى حتى إن العقيد محمود قال لها أنا عرفت ليه ربنا اختار محمود للشهادة.. لأنه من أسرة، الإيمان منور وجوهكم.. أسرة ملائكية مسمعناش صريخ ولا حتى صوت عالٍ وإخواته الأولاد رجالة.. طنط هالة قالت له لو مصر طلبت أولادى كلهم فى الجيش مش حيغلوا على مصر.. قالت له طمنى على ابنى امبارح حبيت أشوفه فى الكفن بس فى ضابط قالى حرام نفتح الكفن.. قالنا إن إصابة الشهيد محمود كانت بطلقة من قناصة أصابته فى الرأس من الخلف.. قلت لها شفت يا طنط محمود من شجاعته وثباته مقدروش يواجهوه وضربوه غدر من ورا.

قالت لى من أيام ما كان طالب فى الحربية كنت أقوله إوعى يا محمود تسيب سلاحك ولا تهرب من معركة.. إذا كان على الموت كلنا حنموت يا ابنى بس اوعى تكون جبان.. الموت يكون بشرف.

قالت لى يا رهام لقيته بيكلمنى من أربع أيام بيقولى إوعى تزعلى يا أمى... قالت لى سألته إزعل من إيه يا حبيبى قعد يقولها إوعى تزعلى يا أمى وادعيلى كتير إنتى بوابتى للجنة..  قالت لى كان له شهر فى رفح ومش عايز يقولى علشان مقلقش عليه وضغطى يرتفع.. وقالت لى يا رهام حابعتلك شهادته فى دورة أركان الحرب.. 19 واحد بس اللى اخدوا امتياز فيها وهو يا حبيب قلبى واحد منهم.

سألتها عن أولاده يحيى رايح سنة أولى ابتدائى وآسر سنتين والنصف وماريا 5 شهور، قلت لها إن شاء يكون فيهم العوض يا طنط.. قالت لى من يوم ما جات البنوتة وهو فرحان بها وبيتصور معاها وكأنه حاسس انه مش حيكمل معاها.

قالت لى الستات زغردوا له يا رهام وهو خارج من المسجد علشان يدفن.. قالت لى والله يا رهام ربنا أخد مروة بنتى ومحمود ولو أخد أولادى أنا راضية وحاقول الحمد للّه.. هو وهبهم لى وهو أخدهم يبقى أزعل ليه..  قالت لى بس أنا زعلانة.. أنا صليت الفجر وقرأت القرآن ودعيت لمحمود بس دموعى نزلت علشان وحشنى ومش حاقدر أخده فى حضنى تانى ولا أسمع كلمة أمى منه.. أنا خايفة ربنا يعتبر دموعى اعتراض على مشيئته.. حضنتها وطبطبت عليها وقولت لها يا حبيبتى ربنا بيحبك ورزقك الثبات عند المصيبة والرضا بحكمه والصبر على الابتلاء وبيحب محمود وعلشان كدة كانت الشهادة فى سبيل اللّه أكبر مكافأة له على أخلاقه وشجاعته وبطولاته..

طنط هالة هى نموذج الست المصرية الأصيلة التى تنجب وتربى رجالة مصر.. ومش أى رجالة.. أبطال الجيش المصرى وأصحاب بطولات لا يعرفها معظم الشعب المصرى إلا بعد استشهاد هؤلاء الأبطال.. طنط هالة نسخة من والدة محمد أبوشقرا ووالدة أحمد منسى ووالدة أحمد عمر شبراوى ووالدة خالد مغربى رحمة اللّه عليهم ورضوانه.. ابحثوا عن هؤلاء السيدات الفضليات وأظهروا للشعب كيف تربى الست المصرية أولادها كى يكونوا أبطالًا لا يخشون الموت دفاعًا عن بلدهم.. خلى الأجيال القادمة تتعلم من هؤلاء السيدات المحترمات بدلًا من محاولات الإعلام المستمرة لرسم صورة المرأة المصرية فى شكل الراقصات فى اللجان الانتخابية أو العاهرات فى المسلسلات.

على فكرة طنط هالة أصلاً من إسكندرية ولا تزال أسرتها هناك لكنها تزوجت د. جمال وأنجبت أولادها وربتهم فى قرية المحروسة بقنا، وقالت لى وصية أولادى إنهم يدفنوا فى المحروسة وسبحان اللّه ابنها الرائد محمود هو أول شهيد فى المحروسة.. طنط هالة سيدة مصرية أفتخر إنها جزء من عائلتى الكبيرة وإنها أم الشهيد.. أم البطل محمود منتصر».

خاتمة الكلام

إنى لأرحم حاسدى لحرّ  ما

ضمّتْ صدورهمُ من الأوغارِ

نظروا صنيع الله بى،فعيونهم

فى جنةٍ , وقلوبهم فى نارِ

[email protected]