رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

كلما تابعت أنباء الحرب على الفساد، سألت نفسي هل تنجح الدولة في مهمتها، بغض النظر عن بعض محاولات التشكيك في إخلاص هذه الجهود، والتي تأتي في إطار التربص من قبل جهات معينة في كل ما يتم من عمل رسمي في مصر؟ سبب السؤال، وأرجوك ألا تشعر بالغضب أو حتى الزعل هو أنني حين أنظر حولي أو أتأمل أحوالنا أشعر أن الفساد تجاوز فكرة أنه ظاهرة جزئية في المجتمع وأنه تحول لظاهرة تضرب بجذورها في قاعه لتشمل كل فئاته وأبنائه حتى يمكن القول دون أن يكون في ذلك أي تجاوز أننا كلنا فاسدون دون أن نستثني من ذلك أحدا! فنحن نمارس الفساد، سواء بوعي أو بدون وعي، ونكاد نمزجه مع الهواء الذي نتنفسه. ومن هنا تبدو صعوبة الحرب على الفساد باعتبار أنها ستبدو وكأنها حرب الكل ضد الكل، أو حرب ضد الشعب، ومن المستحيل أن يخوض شعب حربا في مواجهة ذاته!!

لن أنسى حين دخلت إلى مكتبه في جامعة القاهرة، إنه استاذي الذي علمني الكثير من القيم والتمسك بالأخلاق والعمل على إحياء الضمير، فوجئت به يتحدث في الهاتف طالبا من محدثه على الطرف الآخر أن يحاول أن يوفر الراحة لأحد أقربائه في وحدته وأن يساعده في الحصول على مزيد من الإجازات لكي يقضي أكبر وقت خدمته العسكرية بين أهله في أسيوط. بعد أن أنهى المكالمة استقبلني بترحابه المعتاد دون أن يبدو عليه أي ملمح من ملامح تأنيب الضمير. سألت نفسي أليس هذا – الواسطة لتوفير ظروف أفضل لطرف على حساب طرف آخر – فسادا؟ حينما فكرت قلت لعله الفساد الأصغر الذي يوازي ما وصفه النبي – وإن بشكل سلبي – بالجهاد الأصغر. ولكنه في النهاية فساد، أصغر.. أكبر .. ليست تلك المشكلة!

لم أستغرب كثيرا حينما توجهت لإحدى المصالح الحكومية لقضاء أمر ما، وفوجئت بأن الموظف المختص يطلب من المواطنين الذين ينهون إجراءاتهم معه أن يعودوا له بعد نحو أسبوع لإتمام باقي المعاملة التي تستلزم مراجعة من ممثل للشركة يلزم أن يتوجه لمنزل المواطن طالب الخدمة. كان هذا الطلب ينتفي ولا يتم إذا ما وضع المواطن يده في جيبه وقدم للموظف بطريقة أو بأخرى «المعلوم»! الذي قد ينظر إليه شذرا إذا قل وباستمتاع إذا كان يوافق بغيته وتصوره له.

حكى لي شخص أثق بحديثه أن موظفا ممن يقومون ببحث اجتماعي لطالبي الإسكان الحكومي اتصل به للقائه بمقهي لإتمام إجراءات مهمته دون أن يذهب إلى منزله أو عمله كما هو مفترض، وحينما شعر الشخص الذي ذكر الواقعة بأن صاحبنا ينتظر «شايا» غير ذلك الذي شربه في المقهي، وضع يده في جيبه وأخرج مائة جنيه ليقدمها له وسار إلى حال سبيله، ففوجئ بالموظف يناديه معاتبا : تمضي هكذا إلى حال سبيلك دون أن تنتظر لأعرف ما إذا كان الشاي بسكر أم بدون سكر .. يقصد إذا ما كانت «الإكرامية» مناسبة أم لا؟

حتى الآن أتعمد أن أقدم لك نماذج من الواقع وهي تأتي في اطار الفساد التافه أو ما قد يصفه البعض بغير الضار، تمييزا له عن الفساد الضار أو بـ «حق وحقيق» والذي من شاكلته تلك الحالة عن موظف بالجمارك يقوم بتقدير بخس للقيمة المستحقة على المورد بناء على فواتير غير حقيقية من أجل أن يحصل هو على جزء من المقابل الذي يقوم بتخفيضه والمصلحة واحدة بين العميل والموظف.. رغم ما فيها من خسارة فادحة للدولة!

لقد اصبح الفساد «أسلوب حياة» وأصبح الكل لا يجد أي مشكلة في التعايش معه وتقبله وعدم التبرم منه بل والدفاع عنه باعتباره في بعض الحالات يبقى مطلوبا، وتلك هي الطامة الكبرى.  بالطبع لن يوجد مجتمع يخلو من الفساد، فالفساد جزء من الوجود الإنساني، ولعله من هنا قالت الملائكة لله سبحانه وتعالي : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء». غير ان الاختلاف هو في نسب انتشاره، وهو في بلادنا تجاوز «الركب» لمرحلة يمكن معها القول إننا غارقون فيه.. وذلك هو مبعث الأسى وضعف الامل في خروجنا من دائرة الفساد الجهنمية!

[email protected]