رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

أعود لأكمل لكم ما كان معى بمستشفى 6 أكتوبر للتأمين الصحى بالدقى، والتى قصدتها حتى لا «يلهف» مستشفى استثمارى الراتب الذى ضاعت قيمته مع انطلاق الأسعار بسرعة الصاروخ، وقفت فى الصف الطويل العريض لتقديم بطاقتى وخطاب التحويل، وفشلت فى العثور على الجنيه «المنقرض» لدفع التذكرة، غادرت الطابور المكدس بالبشر والروائح والتأففات أكثر من مرة بحثاً عن فكة خمسة جنيهات لأن ضمير موظف الشباك يقظ جداً ولا يقبل "باقى" لحل المشكلة. وبعد لف وبحث كان أحد المحترمين يراقب الموقف، ويبدو أنى «صعبت» عليه، فهرول خلفى بالجنيه الموعود، وأقسم أمام رفضى بقبوله مؤكداً «الجنيه ما بقالوش قيمة هو أنا بأتصدق عليكى ولا بحل مشكلة بدل ضياع وقتك» وتقبلت الجنيه خجلة ممتنة، ودفعته للموظف الأمين المكشر، فسجل اسمى وأشار لى بالتوجه لقسم العظام.

وليتنى ما نزلت، مشهد أقرب بـ«السلخانة» عشرات المرضى من الجنسين أطفال وكبار، عدد لا بأس به منهم مصاب بكسور متنوعة، وبعضهم جاء لمتابعة جراحة أجراها، الكل يتألم، وأصوات أنين تمزق القلوب من طفل فى العاشرة به كسر بساقه، حاول والده استثناءه من الانتظار للمثول أمام الطبيب، فإذا بالجمهور المنتظر يرفض قبول الاستثناء، وتمتم بعضهم «إحنا كمان تعبانين وعايزين نخلص» اضطر الأب إلى احتضان طفله وحمله متجهاً به إلى ركن قصى، وجلس على الأرض جاعلاً من جسده مقعداً لطفله، وقد تجاهل الجالسون على مقاعدهم المشهد حتى لا يضطر أحدهم للتنازل عن مقعده.

اخترقت الجموع، وصلت أخيراً إلى الممرضة سلمتها البطاقة لتحشر اسمى فى ذيل قائمة المنتظرين الطويلة، قالت لى: مش اختصاصى، ده اختصاص مس جيهان، فهرولت إلى الأخيرة على الجانب الآخر من المكان، نظرت إلى «جيهان» بامتعاض غير مبرر ولوت وجهها المعروق وأعادت بطاقة التأمين وهى تقول.. خلاص استكفينا.. أسقط فى يدى.. هتف الألم المبرح بعظام جانبى الأيمن كله بدءاً من الرقبة حتى «الكعب»: لا والنبى بلاش الكلمة دى.. أعدت لها البطاقة فى رجاء صامت وسألتها «بكرامة»: مش ممكن تاخدى اسم إضافى؟ قالت بحدة وهى تغلق باب الغرفة الضيقة المليئة بالدفاتر على الأرفف وعلى المكاتب: لا الدكتور قال 27 مريض.. خلاص.

لم أستطع ابتلاع اعتراضى، وشجعنى على ذلك الممرضة الصغيرة تبدو عليها الطيبة وتدعى سحر، فقد رأتنى أستند على الجدار مع تعبيرات وجهى المتألم، فبادرت بأخذ البطاقة منى متطوعة، وقالت: سأحاول إقناعها وهرولت للغرفة المغلقة مرة أخرى وأنا خلفها، غابت لحظات وصوت رجائها للممرضة «جيهان» يصك أذنى، والأخيرة تقول لها فى حسم: خلاص استكفينا مش ناقصة قرف روحى شوفى شغلك.

شعور بمهانة طفق فوق الألم وأنا أسمع كلمة قرف، دفعت الباب بيدى، كان هناك طبيب جالس على مكتب ردىء بنفس الغرفة المليئة بالملفات، ويبدو أنه من سيتولى الكشف على المرضى بعد أن ينتهى من صف الأوراق أمامه، قلت لها.. اتكلمى بذوق إيه قرف دى.. زعق فيها الطبيب إنقاذاً لها.. اقفلى الباب وطلعى الناس دى بره عايزين نشتغل من غير دوشة، فصفقت الباب فى وجهى وسرت همهمات بين المرضى الجالسين على الأرض بعد أن امتلأ بغيرهم صفا المقاعد بالممر الضيق.. قررت أن أرأف بهم ولا أصعد المشكلة ثورة لكرامتى وألمى، حتى لا ينعكس الأمر عليهم سلباً.. وعدت للممرضة الطيبة سحر، و... للحديث بقية.

[email protected]