رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

مثلما فاجأنا الكاتب والقاص البديع «مكاوى سعيد» بموهبته الكبيرة كروائى عظيم، فاجأنا بموته كإنسان عظيم أيضاً، فلم يشأ أن يعذب روحه، ومحبيه من القراء والأصدقاء كثيراً، فقد غافل نفسه، والجميع، وذهب إلى النوم مساء يوم الجمعة الماضى ولم يصح.. هكذا ببساطة ووداعة مات، كما كان يعيش ببساطة ووداعة!

عرفت «مكاوى» منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولم أكتب عنه ولا مرة، ولم يطلب هو ذلك ولا مرة.. متصورين إنه ما زال هناك متسع من الوقت، فقد كان -رحمه الله- من المسلمات فى الحياة، وفى حياة كل من عرفه، وكان بداخلنا يقين أن الرجل المؤدب ما زال لديه الكثير من الأدب، وأن السنوات الكثيرة التى أمضاها فى مضغ الحياة اليومية، وفى استيعاب المتغيرات التى جرت فى حياتنا سوف تحتاج منه إلى عشرات الكتب وليس فقط المجموعة القصصية «الركض وراء الضوء»، ورواية «فئران السفينة» ورواية «تغريدة البجعة»، وهى الأشهر بين كل أعماله كونها وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية -المعروفة بجائزة البوكر العربية، عام 2008- وأيضًا المجموعة القصصية «البهجة تحزم حقائبها» وكتاب «كراسة التحرير.. حكايات وأمكنة»، وكتاب «مقتنيات وسط البلد» الصادر عن «دار الشروق» والذى يوثق ويقيم مقتنياته وذكرياته الثمينة عن شخصيات عرفها، وكانت آخر أعماله رواية «أن تحبك جيهان»، التى صدرت العام الماضى، وأحدثت زخمًا كبيرًا فى الوسط الأدبى المصرى والعربى.

بعد فترة من ثورة 25 يناير كنت أجلس معه على المقهى، نتبادل أطراف الحديث عن تداعيات الثورة، وقلت له إنى وضعت خطوطًا عريضة لكتاب يوثق كيف أسقط الشعب مبارك ونظامه بالنكت والتنكيت وبدون أن يطلق رصاصة واحدة، على الكثير من رجاله الذين يستحقون الموت لفسادهم وجرائمهم. وظل «مكاوى» يطاردنى، كما لو أن الكتاب كتابه، ولم يسكت حتى صدر الكتاب بل وقد سعى بنفسه إلى الرسام المبدع عمرو سليم ليرسم الغلاف.. ولم يفعل ذلك معى بشكل شخصى أو للصداقة التى بيننا فقط بل فعله كما يفعله مع الجميع حتى لو كان أديبًا شابًا ما زال يحبو فى بداية الطريق!

إن حجم الإنسانية فى شخص الكاتب «ميكى» كما كان يحلو للجميع أن ينادوه، كانت تسع كل الأصدقاء والمحبين، فقد كنت، وكذلك كل الأصدقاء المشتركين، نذهب ونفعل أشياء كثيرة فى حياتنا، ونعود، بينما هو جالس فى زهرة البستان، كما لو أنه مصر على القبض على الزمن الماضى وتثبيته، ليس لشىء سوى إنكار كل المتغيرات التى جرت وأثرت على الجميع منذ السبعينات والثمانينات وحتى الآن.. بما فى ذلك المقهى الذى عانى هو كذلك من تغير رواده، فقد كان الجميع تقريبًا لا يذهبون إلى المقهى إلا من أجل مكاوى سعيد.. فكل حياته كانت فى وسط البلد.. حتى عندما كتب تحفته الرائعة «أيقونات وسط البلد» كانت من أجل تسجيل وتوثيق لزمان ومكان وشخصيات كانت حالمة وصادقة وطموحة ولكنها واجهت الانكسار نفسه الذى واجهه الكثير من المثقفين والأدباء والفنانين فى مصر.. وظل «مكاوى» وحيدًا متمسكًا بتلابيب تاريخ مضى ولم يتسرسب من بين يديه إلا عندما فارقت روحه الكبيرة جسده النحيل!

 

 

[email protected] com