رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تاريخيا قرأنا وعرفنا اليهودي التائه حتى كانت نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين فإذا باليهودي يحدد وجهته ويخطف وطنا من أهله بمساعدة من اعتقدوا أن من واجبهم أن يلملموا شتات اليهود من شوارعهم وحاراتهم ويقيموا لهم وطنا في فلسطين ، وقد كان وهاهي اسرائيل تسرق أرضا وتشرد شعبا وترهب أمة استضعفت نفسها وأذلت نخوتها وأهانت انبياءها فضاعت في تيه بلا افق - وبدلا من اليهودي التائه نعيش الآن حقبة العربي الضائع   .. المسألة ليست جلدا للذات ولا هي لطم لخدود التاريخ ولكننا ببساطة قدر لنا أن نعيش في هذا الضياع ونكابد هذه المذلة .. العرب يهرولون إلي اسرائيل طلبا للسلام والصفح ، ومن يسترضي عدوه بأي ثمن فهو في الحقيقية يستسلم ولايسترضي - لأن الغاية النبيلة - كما قال الاستاذ هيكل - لاتحققها وسيلة ذليله.

 العرب يقتلون بعضهم بعضا ويحاصرون بعضهم بعضا .. تهافت غريب علي الحرب والانتحار الجماعي نهارا وبالليل ينام الكل بفراش اسرائيل طلبا للحماية والرضا وعونهم علي الوقوف أمام الشيطان الفارسي وكأن ايران هي التي قضمت فلسطين وهي التي شردت شعبا استجار بأخوة عرب فإذا بهم بعد ستين عاما من النكبه يبيعونه في المزاد الأمريكي والإسرائيلي ليحموا أنفسهم - أو هكذا يتخيلون -  عام 1948 هو عام النكبه وعام بداية النفط كثروة عربية هائلة ، وعلي مايبدو أن اسرائيل والنفط وجهان لنكبة واحده لأن فوائض هذه الثروة بدلا من أن تبني نهضة أمه ذهبت كلها إلى المصارف الأمريكية والاوروبية لتعيد هذه الأموال بناء أوروبا التي دمرتها الحرب الثانية وتنفق منها أمريكا على شئونها الامبراطورية بما في ذلك تسليح إسرائيل واصطياد الحلم العربي في عام 1967.

 جمال عبد الناصر كان قصيدة رومانسية ثورية حاول أن يغنيها ويجمع حوله أمة أدمنت الفشل وشد حلم عبد الناصر العالم أما العرب فقد تفرقوا حوله وتآمروا عليه بالمال والسلاح والوشاية .. رحل الرجل ومعه حلمه ، وبعد الفراغ من جنازته تسابق الكل علي الانبطاح حتى عندما حققنا عبورا بطوليا عام 1973 سارعت الدولة المصرية بعده لمفاوضات لم تكن تليق بمنتصر وانتهت عام 1979 بمعاهدة كامب ديفيد وقبل أن يسدل الستار  قتل الرئيس السادات علي يد أفراد من قواته المسلحه .. عام 1982 دخلت اسرائيل بيروت وارتكبت مذبحة صابرا وشاتيلا ، والعراق دخل في حرب الثمانية اعوام مع ايران ، ثم كان اغسطس 1990 عام اجتياح العراق للكويت . حوصر العراق عشر سنوات الي أن تم اجتياحه أمريكيا صوتا وصوره في أبريل 2003 بمباركة ومشاركة عربية .. استراتيجيا ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي وهناك عقيده أمريكية بأن الفصل بين مصر وبلاد النهرين والشام حتمي لبقاء اسرائيل واستفحالها ، وقد كان .

عزلت مصر بكامب ديفيد واحتلت العراق وتمزقت سوريا ضمن مواسم الربيع العربي وبأموال عربية ومجاهدين عرب تطوعوا لخدمة الصديق الأمريكي والحليف الاسرائيلي .. المشهد الآن يقول بأن العرب ليسوا أمة كما استرحنا للوصف .. هم مجموعة من القبائل تحولت لشعوب سكنت أوطانا سرعان ماتقاتلت مع بعضها البعض واستسلمت راكعة لمن تتصور أنه قادر علي حمايتها  .. الحروب العربية في اليمن وسوريا وليبيا والعراق والصومال والسودان هي الفصل الأخير في مأساة العربي الضائع الذي أدمن سفه الأفكار وانكسار الارادة والتسول علي أبواب الغرباء طلبا للقمة عيش أو رصاصة يقتل بها أخاه .. ثقافة القبائل هي الحاكمة للعقلية العربية حتى يومنا هذا وبدلا من الحرب حول بئر ماء أصبحت الحرب حول بئر نفط .

 مصر الكبيرة قد تكون هكذا بحسابات الزمن والاستمرار في المكان لكن بحسابات الدور واستقلال الارادة فقد تآكلت الصورة ووسط الدراما العربية لم يعد دور البطولة والرشد من نصيبنا - وللأسف ولا من نصيب غيرنا من عرب المشرق ممن تخيلوا أن الأدوار يمكن أن تورث .. الأخطر من سفك الدماء في ميادين القتال نزف الدماء من شرايين الارادة والكرامة ، عندها تموت الأمم مكانها وكأن عربة التاريخ دهستها في حادث تصادم مفجع . وقد عبر الأستاذ محمد حسنين هيكل أروع تعبير عن هذه الحالة بقوله " عندما يتواصل سفك الدم تموت الأعصاب ، وحين تموت الأعصاب يموت الضمير ، وعندما يموت الضمير تموت الثقافة ، وعندما تموت الثقافة يتساوى الانسان في المدينه والوحش في الغابه تاركا روحه وعقله في كهوف الظلام .." وها هم عرب اليوم.