رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

عندما أتأمل تجارب دول في آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وكيف انتقلت من أوضاع كارثية متخلفة إلى حالة نمو وتطور متسارعة ومدروسة، أتساءل: هل مصر حالة مستعصية علي التطور، ولماذا منذ رحيل حملة نابليون بونابرت عن مصر 1801 ونحن نبحث عن ذاتنا وعن فرصة تاريخية لنمو مستدام ولم يتحقق منالنا، حتى مع تجربة أسرة محمد على ظل التطور محصوراً في مظاهر العمران بالمدن الكبرى، خاصة القاهرة والإسكندرية وفي مشروعات زراعية وصناعية مهمة للغاية، ولكن ظلت المشكلة أو المعضلة التاريخية، هل تغير المصريون وانتقلوا من عصور التخلف العثمانية والمملوكية الي براح عصر جديد؟.. هذا لم يتحقق وظل الريف المصري بما يمثله بشرياً وعمرانياً ينتمي للعصور الوسطي ولم يتجاوز دوره أرضاً وبشراً أن يظل إقطاعيات لأمراء وغرباء وبقيت حياة الناس والدواب واحدة.. قفزت لخاطري هذه الأفكار أو الرؤى وأنا مأخوذ بمشهدين مهمين - الأول: مرتبط بالذكرى الخامسة لرحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك يوم 11 فبراير 2011.. حكم الرجل ثلاثين عاماً وترك السلطة رغما عنه – والمشهد الثاني لرئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر التي ودعها شعبها بالحب والدموع بعد 8 سنوات قضتها بالسلطة (2007 – 2015) رئيسة منتخبة غيرت وجه الحياة في الأرجنتين وانحازت بقوة للفقراء ورسمت لبلادها خريطة تحالفات جديدة استبعدت منها الولايات المتحدة الأمريكية.. لماذا تغيرت الأرجنتين مثلاً، وخلال 8 سنوات، ولم تتغير مصر بعد أكثر من 200 عام من البدايات الأولي.. جمعني نقاش مع مجموعة من المثقفين حول هذا السؤال التاريخي وقد اقتربت من الاقتناع بفكرة أن إمكانية تطورنا تزداد تعقيداً، وقد نبه لذلك الدكتور طه حسين في مؤلفه البديع «مستقبل الثقافة في مصر» وخلاصة الرأي تقول: إن مصر منذ ما يقرب من خمسة عشر قرناً وقد انتقل ارتباطها الثقافي من الشمال إلى الشرق وأن الأوضاع التي سادت مايعرف بالعالم العربي من قرون وحتى يومنا هذا قد ربطت مصر عضوياً ببنية التخلف المتجذرة في الأطر السياسية والاجتماعية والثقافية في محيطنا الإقليمي، وأنه من المستحيل على مصر أن تفلت من حالة الغرق في المحيط العربي المتجمد منذ قرون.. الحقيقة وليس تطرفاً في النظر للأمور سنجد أن المحيط العربي القادر علي التأثير في اللحظة الراهنة أكثر حرصاً على جذب مصر للقاع أكثر من حرص مصر أن تطفو وتخرج لشواطئ جديدة.. وفي نقاشنا الذي أشرت إليه طرح مثقف مرموق وجهة نظره بأن مصر تأثرت بنظرية الأواني المستطرقة حيث جذبتها موجات ثقافة صحراوية تتحرك تحت أرض الإقليم منذ سنوات وتفعل فعلها.. هذه الأمواج تحركت مدفوعة بتأثير من عواصف ثقافية معادية للتفكير العلمي وللحرية والكرامة الإنسانية، وتتحكم بها أطر القمع والاستبداد وامتهان الكرامة الإنسانية الجمعية لصالح جماعات أو عائلات أو قبائل، ولظروف معروفة فقد جذبت مراكز الثروة الجديدة منذ سبعينيات القرن الماضي ملايين المصريين الذين تركوا بلدهم يأساً وقنوطاً وحاجة، وعندما وجدوا رزقهم في بلاد قريبة عادوا من رحلاتهم الطويلة حاملين معهم الدولار والأفكار، وآمن غالبيتهم بأن البلاد التي منحتهم الرزق عليهم التمسك بولاءاتهم لثقافتها ومعتقدها.. كل ذلك حدث ومصر تتراجع وتتخلي تدريجياً عن ثقافتها ومعتقدها الذي لم يعد بالمستطاع الدفاع عنه ومن بيدهم الأمر أعطوا ظهرهم لحكمة التاريخ مقابل إشباع حاجات الحاضر وقايضوا مصلحة الوطن بمصالحهم خاصة مصلحتهم في البقاء بسدة الحكم، وهذا ما بدا جلياً خلال ثلاثين عاماً من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي جمد مصر داخل ثلاجة لم تتغير على أبوابها العناوين الرئيسية – تحالف استراتيجي مع أمريكا.. أمن الخليج أمن قومي لمصر.. القطيعة بلا نهاية مع إيران.. تجاهل أفريقيا ونسيان آسيا - الفارق بين تجربة 30 سنة من حكم مبارك ترك مصر بعدها «مضطراً» متهالكة خاوية على عروشها وبين تجربة رئيسة الأرجنتين التي احترمت الدستور وتركت السلطة بعد فترتين رئاسيتين مدتهما 8 سنوات.. أن هذه السيدة رسمت خريطة سياسية جديدة للأرجنتين ولم تتعفن داخل دواليب سياسية قديمة.. وعززت كريستينا دي كيرشنر، في فترة حكمها، علاقات بلادها مع الحكومات اليسارية في المنطقة مثل فنزويلا، وكذاك مع الصين وإيران، مما ساعدها على إنعاش قيمة العملة الوطنية «ألبيسو» وساءت علاقة الأرجنتين خلال فترة دي كيرشنر بالولايات المتحدة، التي تتهمها بالوقوف وراء الأزمة المالية في بلادها.. ووجهت انتقادات لاذعة لبريطانيا بخصوص الخلاف بشأن جزر المالوين «الفوكلاند»، التي تعتبرها أرضا أرجنتينية.. وشنت هجوماً عنيفاً على الدول الغربية ومجلس الأمن في الأمم المتحدة متهمة إياها «بخداع العالم وقلب الحقائق» في الحرب على «الإرهاب».. كما اعترفت الأرجنتين في حكم كيرشنر بدولة فلسطين، وأثارت حفيظة إسرائيل، لمواقفها الداعمة لحق الشعب الفلسطيني.. وإعادة للسؤال الأول بمقدمة هذا المقال: لماذا تقدم الآخرون خلال 8 سنوات ولم نتقدم نحن في مصر خلال 200 سنة؟.. أعتقد أن بلداً مثل الأرجنتين لم يتغرب عن هويته كما حدث لنا، ولم يخطئ قادة الأرجنتين في تحديد هوية حلفائهم ولم يقايضوا مصلحة بلدهم بمصالحهم هم لأنهم ببساطة يحترمون دستور بلدهم ويعلون من قيمة وقدر القانون.. رئيسة الأرجنتين أدركت بوعي مصادر القوة في بلدها وفتحت المجال العام أمام الجميع - معارضيها قبل مؤيديها - ولم تراهن علي صداقات مع كيانات وهمية ولم تضحِ بمستقبل الأرجنتين مهما كانت الغوايات التي يلوح بها بعض تجار التحالفات المشبوهة.

 

 

[email protected]