رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قبل أن نقرأ: عاش شفيق أحمد علي!.

الكتابة عن الصحفي شفيق أحمد على - الذي فارقنا بجسده قبل أيام وما زالت روحه تعيش بيننا - مسألة «سهلة».. لكنها السهولة الممتنعة.. فعلي بساطته الشديدة وطيبته المفرطة وشهامته النادرة و«حس الصحفي» المتوثب بداخله.. إلا أنه كان مفرط الحساسية.. ويزأر كالأسود إن أقدم أحد على أن يمس أمنه وسلامه الداخلي بسوء! كان أمنه وسلامه باختصار مرادفين لـ «وطنيته» الشديدة. لم يكن يهادن في هذه القيمة أبداً.. كانت «الوطنية» - إلي جانب مقياسه في النزاهة والأمانة الصحفية - معياره الخاص في التعامل مع الجميع.. فإن سقط أحد في فخ «التطبيع».. اشتعل «شفيق» وأصبح كتلة من نار تقذف حممها بلا هوادة وبغير توقف. ولعلنا نذكر كيف كان يخوض المعارك مع زملاء المهنة ممن خالفوا قرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بعدم التطبيع مع الكيان الصهيوني (وأبداً أبدا لم يكتب شفيق كلمة اسرائيل في حياته).

كان أسطورياً في بساطته وعفويته.. «روح» جذابة تأسرك وتمسك بشغاف قلبك فلا يمكنك الإفلات من  أسر جاذبيته.. إطلالته لا تخطئها عين.. قوام فارع كالفراعين.. يمتلئ بفورة الشباب حتي في سن الستين.. وكوفية حمراء تميزه في عز الشتاء وبلغة فاقوسي بيضاء وبنطال أبيض مع «بلوزة» بيج يقاوم بها حرارة أجواء الصيف.. وحضور طاغ تستشعره بمجرد أن يهل عليك بابتسامته العبقرية وضحكته الطفولية.. وعينيه اللامعتين المتقدتين المتفرستين في الأحباء والأصدقاء والزملاء.. وكلمة «الله» التي يقولها من أعماقه مع إيماءة رأس خفيفة تنبئك عن إعجابه وموافقته.

لم يكن له مثيل قط في الوسط الصحفي.. «طلة» لاتشبه أحداً.. وحباً كبيرا للجميع لايعكر صفوه سوي مقياسه لـ «الوطنية».. بالإضافة إلي مقياس من نوع آخر وهو التخلي عن «النزاهة» والأمانة الصحفية.

عرفت شفيق أحمد على في بلاط «روز اليوسف».. سمعت عنه من الرسام وفنان الكاريكاتير الراحل رؤوف عياد.. كان - شفيق - عائداً للتو من رحلة صحفية في إريتريا (تقريبا).. وكان راغباً في شراء سيارة.. ووقع في هوي «المرسيدس».. وأشفق عليه رؤوف عياد من فداحة وكلفة أسعار الصيانة وقطع الغيار.. ودارت في هذا الإطار أحاديث كثيرة.. بعدها رأيته في الأسانسير فأمسك بتلابيبي من أول ابتسامة.

جمعتني معه العديد من المواقف المهمة، كثيرها صحفي وعميقها إنساني.. فقد شهد معنا (الأستاذ عادل حموده والراحل عصام اسماعيل فهمي وشقيقه سمير وأنا) أول مراجعة جرت في مكتب «عصام» لكتابي الأول (نواب الكيف) الذي أدين بالفضل في صدوره للأستاذ عادل حمودة.. الذي  شرفني بطلب  نشره عبر دار سفنكس وكان مستشارها الصحفي، وراجع الاستاذ عادل الكتاب كله، ثم وجهني إلى إعادة صياغته بطريقة أخري.. كما شهد - شفيق - أيضا يوم أن اجتمعنا للاحتفال بصدور نسخة الكتاب.. وهنا تجلت إنسانيته و(جليطة بداياتي!)

قال عصام اسماعيل فهمي- وكنا في مكتبه - إنه جلب ثلاث نسخ فقط.. ورغم أنه كان من الطبيعي أن أهدي الاستاذين شفيق وعادل نسختين من النسخ التي قدمها لي عصام، إلا أنني وجدتني أقول ضاحكاً في بلاهة موجهاً حديثي لعصام فهمي: نسخة الأستاذ عادل تهدي اليه من دار سفنكس!

وأسقط في أيدي شفيق.. فلما وصلت بيتي.. فوجئت به يتصل بي معنفا وبشدة.. وهو يستغرب ماجري مني.. وهنا أدركت خطئي الفادح.. وإن هي إلا دقائق معدودات ،حتي كنت أمام شقة الأستاذ عادل في مصر الجديدة مقدما له اعتذاري ونسخة كتابي مقرونة بسطور عرفاني وتقديري له.

كنت كلما دخلت علي شفيق في مكتبه بروز اليوسف أجده قد قرأ كل الصحف..وملأ الصفحات بملاحظاته ووضع خطوطاً تحت فقرات بعينها، كان يأمل في معالجة مافيها من أخطاء.. أو استكمال ماشابها من نقص.. خصوصا في القضايا التي تمس المواطن البسيط.. وقضايا الفساد التي كانت تشغله باستمرار وتحرك شهيته للكتابة.. فلم يكن غزير الانتاج أو مفرطاً في الكتابة.. فقد كان يحترم الحرف ويعشق الجملة الصحفية ويكتب برشاقة الفراشة وقذيفة البندقية.. وكانت وسوسته في الكتابة سلاحا ذا حدين، فقد جعلت مايكتبه عذباً شديد العذوبة، حتي وإن «كانت القضية قبيحة وسمجة و«مكلكعة»! وجعلته أيضا يتهيب الكتابة وكلما همّ بمعالجة قضية صحفياً وسوست له نفسه بالتروي يوما بعد يوم!

شفيق أحمد علي.. كان أحد أبرع تلامذة صلاح حافظ، ومثلما تعلم عادل حمودة من! «عم صلاح» قيمة الكتابة الجميلة فإن شفيق تعلم نفس القيمة وأسلوب الكتابة الصحفية الذي ميز كليهما دائماً.

تضامن معي أيضاً في اكبر محنة صحفية واجهتني في حياتي المهنية.. وهي محنتي مع الكاتب الكبير مصطفي أمين.. الذي أجريت معه حواراً شهيرا عن قضية « التخابر» التي اتهم فيها ونشر في جريدتي «الوفد» و«الانباء» في وقت واحد، ولكن الاستاذ مصطفي تنصل من الحوار رغم ان الاستاذ مصطفي شردي هو من حدد موعد اللقاء بيننا فكان أن أرسلت إلي الأستاذ شفيق رسالة ابثه فيها أحزاني والظلم الذي لحق بي.

كانت محنة بحق كادت تنسف حياتي المهنية في بداياتها ولولا انني احتفظت بتسجيلات وصور للحوار، فما كان ممكنا تجاوزها، فنشرها كاملة  قائلاً: إنه لايملك في هذه المحنة أو المهزلة الصحفية إلا أن يتضامن معي بأن «يفسح لرسالتي كل ما يملكه في الصحيفة» وهو عموده الذي كان يكتبه فيها»!

عاش شفيق أحمد علي.. هكذا كتبت بعد رحيله، فمثله لايموت، ومثله تبقي روحه بيننا فقد كان «صاحب قضية».

بعد أن قرأتم: ألم أقل لكم عاش شفيق أحمد علي!