عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جهاد الخازن يكتب:(تجربة أعادتني الى الأرض)

جهاد الخازن
جهاد الخازن

في الستينات من القرن الماضي، دخلتُ الجامعة وأنا أعتقد أنني أستطيع أن أصبح عالمَ ذرّة أو فيلسوفاً أو شاعراً، وبدأت أقرأ كتباً تؤهلني للدور الذي سأختاره لنفسي وأنا أترك بصماتي على تاريخ العالم، وكان من حُسن الحظ ورضا الوالدين أنني قرأت، أو حاولت قراءة رواية فلسفية عنوانها «أطلس هزّ كتفيه» (بمعنى أبدى عدم اهتمامه)، للفـــيلســوفة والكاتبة المسرحية آين راند، وهي اميركية من أصل روسي.

ضعتُ بين الصفحات، ولم أفهم حبكة الرواية، ووصلت الى كلام لأحد أبطالها قد لا يصدقني القارئ إذا قلت إنه جملة تحوَّلت خطاباً في حوالى 60 صفحة من رواية في 1200 صفحة.
لن أتحدث بتفصيل عن تلك الرواية اللعينة، فأنا أرفض أن أعود اليها ولو عبر المراجع، ولا أريد أن أخطئ فأقول إنها كانت تجربة أعادتني الى الأرض، وقنعتُ من دوري القيادي في الحياة بأن أدرس العلوم السياسية، ولولا الصحافة لكنت الآن معلم مدرسة بمئتي ليرة في الشهر.
الرواية «أطلس هزّ كتفيه» نُشرت سنة 1957، وعادت الى الميديا بقوة في الأيام الأخيرة بعد أن اختار ميت رومني النائب بول ريان لمنصب نائب الرئيس معه في انتخابات الرئاسة الاميركية القادمة. رومني على يمين الحزب الجمهوري، وهو اختار لمنافسة باراك اوباما ونائبه عضواً في الكونغرس يقف على يمين اليمين الاميركي.
القصة ليست هنا. وكنت أشرت الى اختيار رومني بول ريان نائباً له، ووجدته غريباً، إلا أنني اكتشفت بعد ذلك أن ريان قرأ «أطلس هزَّ كتفيه» ويعتقد أنها أهم شيء في العالم منذ اختراع الدولاب.
فور اختيار ريان كان هناك مَن تذكَّر (وكتب) أن المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس قال لجمعية أطلس سنة 2005: «السبب الذي أدى الى دخولي معترك الحياة العامة، إذا كان الفضل فيه لمفكِّر واحد، لإنسان واحد، فهو آين راند.» وزاد عن روايتها أنه «لا يوجد مكان أفضل للعثور على الحجة الأخلاقية للرأسمالية أو الفردية.»
الكلمة الأخيرة تعني في الواقع الأنانية، فالمؤلفة -وهي يهودية اسمها الأصلي اليسا روزنبوم- تقدِّم العقل أو الرُّشد أو حُسن الإدراك، وتروِّج لفلسفة أخلاقية جديدة هي في الواقع أخلاقية الأنانية أو الاهتمام بالنفس، الى درجة

أنها تعتبر الفقراء طفيليين، ومساعدة المحتاج «شراً كاملاً».
كان ريان أرغم العاملين معه على أن يقرأوا الرواية وقال إنه جعلها من الهدايا في مناسبة عيد الميلاد، مع أن المؤلفة ملحدة، والدين المسيحي يقوم على مساعدة الآخرين، وينصح أتباعه بأشياء إنسانية ليست عملية أبداً.
بول ريان أدرك خطأه وحاول التنصل من إعجابه المسجل بالصوت والصورة براند وفلسفتها الأنانية، وقال إنه يرفض فلسفتها وإلحادها (كأنه اكتشفهما أمس) ويُفضّل عليها فكر الفيلسوف توما الأكويني الذي تُعتبر دراسة مؤلفاته جزءاً أساسياً من الإعداد لدخول سلك الكهنوت.
طبعاً، رجل دين كاثوليكي أفضل لبول ريان من فيلسوفة ملحدة، خصوصاً أن المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس يزعم أنه كاثوليكي ملتزم يريد مساعدة الآخرين، وليس اتباع فلسفة الركن الأساسي فيها الأنانية، وأن الطمع جيد ومفيد.
المرشح لم يقنع أحداً بأنه غيَّر رأيه، وقرأت هجوماً حاداً عليه من رجال دين اميركيين وصحافيين كثيرين، حتى أن الكاتبة جين ماير في مجلة «نيويوركر» قالت إن ميت رومني اختار آين راند نائبة للرئيس معه. واعتُبِر الاختيار «نموذجاً آخر على إهانة جمهورية جديدة لمُثُل اميركا في الإنصاف والاعتدال والرعاية المدنية».
هذا رأيي أيضاً، وبقي أن يصدق الناخبون الجمهوريون أن الإدارة الجمهورية، التي قادها المحافظون الجدد نيابة عن جورج بوش الابن فأطلقت أزمة عالمية مستمرة، تهدد بالعودة مع رومني-ريان، لتخوض حروباً فاشلة أخرى، ولتخرب ما بقي من اقتصاد اميركا والعالم.
نقلا عن صحيفة الحياة