عن فيلم «لا مؤاخذة» .. لا مؤاخذة!!
شجعني كثيرا الحديث عنه وعن الفكرة الجديدة والجريئة التي يناقشها، فكان المشاع عنه أنه لأول مرة يكون بطل العمل «أسرة مسيحية» أو هكذا تدور الأحداث حولها، بعدما كنت امتنعت عن مشاهدة الأفلام المصرية «التي في السوق» كلها ولا أدخل لها سينما، وذلك لأنها إن كانت محترمة أداء وفنً ومشاهدة فنصفها يكون مسروقا والآخر شبه مسروق أو متمصر أو مكرر، ويصل الحد في التقليد بالمشاهد تكون كما لو أنها مدبلجة.
كان الأمل يعزوني في هذا الفيلم، ولكني انتظرت كثيرا حتى أشاهد فيلما سينمائيا، وقلت في النهاية ربما هذا نمط جديد في الخلط بين السينما التصويرية والمستقلة، انتظرت أيضاً أن يضع الفيلم يده على القضية المحورية والتي يريد أن يناقشها ولكن، لم أجد سوى بعض المشاهدة الكوميدية بالمفارقة تبرز مهارة المخرج أو فريق العمل فقط، أين معاناة الأسرة المسيحية لا تجد، أو أين الاضطهاد لها وما مبرر خوف الأم الدائم.. لا وجود لهم من الأعراب وغير موجودين في الجملة، المعاناة التي طرحها الفيلم هي أسرة مات ربها، ويبدو أن الأعمام المسيحيين والأقارب «وحشين» لا يراعون أسرة أخيهم ولا قريبهم بعد الموت وسرعان ما داينوا الأم وسلبوها حقها، وكتفسير سلبي «الناس المسيحيين دول مبيرعوش ربنا»، «دا الفيلم اللي بيقول ذلك»، فيقل الدخل وتضطر الأم لنقل الولد مدرسة عادية ليست بخاصة وكأنه ينتقل من الجنة إلى النار، في سذاجة سينمائية متوقعة وحلول سهلة حتى يخلق الصراع والأزمة، وكأن المخرج أو المؤلف وهما شخص واحد، أراد أن يظن الناس بأن المدارس الخاصة وأحياء «الكمبوند» كلها حضارة ووعي لا توجد تفرقة بين الأديان، والتفرقة تأتي في الأحياء الفقيرة أو العادية، فينتقل الولد لمدرسة اسمها مصر الجديدة وكأن المدرسة في حي شعبي كأي حي شعبي ونسى أن مدرسة مصر الجديدة هي في منطقة طبقة متوسطة ليست بهذا الفقر المدقع أو بهذه الصورة من التربية، فلو أراد أن يحبك القصة لكان نقل عيشتهم بعد بيع شقة الزوج إلى بيت قديم ربما يكون بيت جد أو أب الأم مثلا الذي يقطن في حي شعبي ومن هنا تكون المصداقية، ولكن للأسف الحلول سهلة إلى أبعد حد.
فكل ما يدور حوله الفيلم هي معاناة تلميذ انتقل من مدرسة خاصة إلى مدرسة حكومية، وتناسى بأن من أول يوم له أومن قبل ذلك يعلم المدير والاداريون بشأن ديانته، ويجمعون الطلاب المقيدين في حالتهم الورقية بأنهم من ديانة مسيحية ليجمعوهم في حصة الدين ويكون معلوما جيدًا لدى الادارة وخصوصا في مجتمع عنصري كهذا.
وكأي فيلم مصري تجده يلمس أو يصنع إفيهات تنكش في رأسك القضية التي جذبك بها لكي تشاهده، غير أنه اعتمد على بعض إفيهات الشارع الدارجة في «البرومو» حتى يسوق الفيلم، ولكن بعد «متجيب الزبون» يجب أن تقدم له طبخة جيدة
الفيلم من الناحية الكوميدية كوميدي ساخر، وكان من الأفضل وهو يدعو مثقفين وأصحاب عقول راجحة لمشاهدته، بأن يقول إنه فيلم كوميدي بطريقة جديدة ومحشو بقضية تمس المجتمع.
لكن الفيلم عبقري في اختيار أدوار الأطفال ومعظم الكبار، وينبئ عن مواهب حقيقية في الأطفال تضاهي المواهب الرهيبة في السينما الأمريكية، وعلى ذكر السينما الأمريكية فهذا ليس بفيلم مصري ولا متمصر .. دا لا مؤخذة ... متأمرك.
فطريقة الصراع بين التلاميذ أمريكية بحته اتهرست في 333 فيلما قبل كدة وتدعى «التنمر» بترجمة «ch2»، حتى حل الصراع ينبئ بخطورة لو كان يقصدها الفيلم» بأن التلميذ الذي أمه حلوة أو غنية أو شكلها بنت ناس هى اللي هتحللوا الموضوع أو بقى يمكن قصده لو هى أقلية، وهذا ضد الصراع المفروض بالفيلم،... ناهيك عن ملامح الكراهية والعدوانية التي قلبت وجه الملاك المرسومة على وجه الممثلة الجميلة طوال الفيلم حينما قالت: «محدش يقدر يضطهدنا.. ومش هنسمح لحد أنه يضطهدنا»، وكان يجب أن يعدل عليها في الأداء أو يغير رؤيته فالفرق بين الكراهية والصمود أو الإصرار والتحدي كبير وشاسع .. وربما كان مقصودا لبيان مدى مرارة الأم التي لم نعرف لماذا هي كذلك وربما اعتمد المؤلف والمخرج على معرفتنا المسبقة بالموضوع ...
ورائي في السينما بالكرسي الذي خلفي مباشرة كان يوجد فيلم آخر هو الذي يستحق بأن يسمى «لا مؤاخذة» ...
فعندما كان هاني يكلم يسوع على الحائط، سأل طفل أمه في ظهري: «هو بيكلم مين يا ماما..!!!» فلم ترد وظل يكررها حتى أخرج الحل لنفسه وقال: «هو بيكلم نفسه..؟!»، فلم تستطع الأم الرد ولم تملك القدرة ولا الثقافة لكي ترد، بل ما حدث هو الأكثر دهشة عندما صرخ الولد في القاعة «الفيلم دا وحش أوي وممل .. هاتولي فيلم القشاش».