نحن سعداء لكننا غير راضين. سعداء بما حققته الحكومة من خطوات فى سبيل تجاوز مصر لأزمة الدولار، وشح العملة الأجنبية، والسوق السوداء، وانعكاسات هذا التجاوز إيحابيًا على معدل التضخم، ثُم سعر الفائدة لاحقًا.
لكننا غير راضين عن الوضع العام للاقتصاد فى مصر، والذى لم يبدأ بعد مساره المفترض فى سبيل التنمية المستدامة المنشودة، وهو ما يثير القلق من احتمالية التعرض لأى أزمات اقتصادية فى المستقبل.
أتمت مصر برنامج صندوق النقد للإصلاح، وآن الأوان أن تبدأ برنامجًا جديدًا وطنيًا وحقيقيًا يستهدف فى المقام الأول زيادة الاستثمارات الخاصة بصورة مضاعفة، وتحقيق زيادات لافتة فى الصادرات، وتقليل الاعتماد على الاستدانة الخارجية، بما يحقق معدلات نمو كبيرة تزيد من فرص العمل.
وكما أشار كثير من خبراء الاقتصاد ورواد الأعمال، فإنه لا يمكن إطلاق برنامج وطنى شامل وفعال دون استثمارات خاصة كبيرة، ومتنوعة، يعود فيها القطاع الخاص إلى سابق عهده، بل بصورة أفضل من ذى قبل، فى ظل سوق تنافسية عادلة، وتيسيرات إجرائية، وإصلاحات تشريعية حقيقية.
لقد حققت الاستثمارات العامة على مدى السنوات العشر الماضية، ما كنا نطمح إليه من تأسيس بنية تحتية واسعة وقوية من شبكة طرق ونقل وكبارى وموانئ ومخازن وخدمات لوجستية متطورة. ولا شك أن ذلك كان جيدًا وعظيمًا ومبشرًا، غير أن لكل إنجاز كلفته، وكانت الكلفة الواضحة للجميع هى ارتفاع حجم الدين الخارجى لمصر لما يقارب 160 مليار دولارًا، فضلًا عن تركيز التمويل المصرفى المتاح للمشروعات العامة، وهو ما جاء على حساب التمويل المتاح للقطاع الخاص، ومن ثم تقصلت مشروعات القطاع الخاص إلى حد كبير.
فضلًا عن ذلك، فقد أدى غلبة الاستثمارات العامة على الخاصة إلى ميلاد كيانات حكومية جديدة زاحمت القطاع الخاص فى الأسواق، ومثلت ارتدادًا على توجه الدول نحو الخصخصة وانسحاب الحكومات من الأنشطة الاقتصادية، وهو ما لا يُمكن استمراره كنظام مستدام لإدارة الاقتصاد الوطنى.
والضرورة الآن ونحن نحتفى بالتعافى من أزمة العملة الصعبة، أن نستغل الاستقرار المتحقق، والطاقات المتاحة لإطلاق برنامج وطنى أداته الأولى، ودعامته الأهم، وغايته المثلى هى الاستثمار الخاص.
لا بديل عن قيادة القطاع الخاص للنشاط الإقتصادى، ولا مهرب من مسئوليته لتوفير فرص العمل للشباب المتدفق بغزارة إلى سوق العمل.
ولا شك أن تجارب القطاع الخاص السابقة فى مصر وكثير من الدول، كانت سببًا مباشرًا فى تحسن نظم التعليم، وتحسن الخدمات الصحية، وتطور المهارات الفردية، بما أسهم فى تحسين معيشة الناس بشكل عام.
ومؤخرًا ذكر الدكتور محمود محيى الدين، الاقتصادى الدولى أن عدد سكان مصر يبلغ 1.3 فى المئة من سكان العالم، وعليه فيجب أن تقارب نسبة الاقتصاد المصرى الرقم ذاته بالنسبة للاقتصاد العالمى، غير أن اقتصاد مصر ما زال يمثل أقل من 0.3 فى المئة من الاقتصاد العالمى، وهو ما يعنى أن الحاجة ملحة لمضاعفة النمو بصورة متوالية ومستمرة.
وهذا ما سبق وأشرت إليه فى الأسبوع الماضى، عندما كتبت أن تحجيم الزيادة السكانية وحده لا يحقق التنمية المنشودة، وأن هناك حاجة ماسة لمضاعفة النمو، وأن المفتاح لهذا الباب الموصد هو الاستثمار الخاص.
وسلامٌ على الأمة المصرية.