هوامش
جاء تصريح وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار بإعادة تفعيل قرار رئيس الوزراء الأسبق المهندس إبراهيم محلب رقم 1063 لسنة 2014، والذى ينص على علاج حالات الطوارئ فى جميع المستشفيات الحكومية والخاصة مجانًا لمدة 48 ساعة، بمثابة صدمة للرأى العام، ليس لأنه قرار جديد، بل لأنه قرار قائم لم يتم تفعيلة فعليًا لسنوات، إلا بعد فاجعة إنسانية تمثلت فى وفاة عبير الأباصيرى، بعد رفض استقبالها بمستشفى الهرم لعدم دفع رسوم الدخول رغم حالتها الحرجة.
وزارة الصحة أنكرت رفض المستشفى استقبالها عبر بيان حول الواقعة أكّدت فيه أن مستشفى الهرم أدّت دورها وتم وضع المريضة على جهاز الأكسجين، وأجريت لها الفحوصات الطبية اللازمة، بما فى ذلك أشعة مقطعية على المخ والصدر، والتى أظهرت عدم وجود جلطة بالمخ، كما تم وضعها على جهاز ضغط مجرى الهواء الإيجابى لدعم التنفس، ومع استمرار تدهور حالتها، تم نقلها إلى جهاز تنفس صناعى مع إعطائها أدوية داعمة للدورة الدموية. وأخيراً تم نقلها بسيارة إسعاف مجهزة إلى مستشفى خاص بناءً على طلب أسرتها.
وسواء كان البيان صادقاً أو لتجميل وجه الوزارة ومسئوليها فلا فرق لأن سوءات المنظومة الصحية يعلمها القاصى والدانى، كما أن إعلان وزير الصحة تفعيل قرار المهندس إبراهيم محلب الآن هو إحياء لإنجاز كبير تحقق فى بداية عهد الرئيس السيسى حيث صدر قرار محلب فى ٢٣ يونية عام ٢٠١٤ أى بعد تولى الرئيس السيسى الحكم بأيام قليلة، وكان من الطبيعى أن تتابع الحكومات المتعاقبة هذا القرار خاصة فى ظل انشغال الرئيس بقيادة مصر فى حربها ضد الإرهاب والعبور بها إلى بر الأمان، وعدم تفعيل هذا القرار هو هدم لأحد المكتسبات التى تحققت فى بداية عهد الرئيس السيسى ولا بد من محاسبة المسئول ذلك.
القرار واضح وصريح، ويُلزم كافة المستشفيات – سواء حكومية أو خاصة – بعلاج أى حالة طوارئ دون انتظار دفع مقابل مادى لمدة 48 ساعة، على أن تتحمل الدولة تكاليف العلاج خلال هذه الفترة. ورغم ذلك، تم تجاهله لأكثر من عشر سنوات كاملة، وأصبح مجرد «نص قانونى بلا روح» يُعلّق فى مكاتب الاستقبال ولا يُنفذ.
من المسؤول عن ذلك؟ هل هى وزارة الصحة التى لم تُفعّل آليات المحاسبة على مخالفة القرار؟ أم المستشفيات التى اتخذت الجانب التجارى على حساب الواجب الإنسانى؟ أم غياب رقابة حقيقية من البرلمان وأجهزة الدولة؟ أم تواطؤ ضمنى بين القطاعين العام والخاص؟
لم نسمع الوزير يتحدث عن القرار إلا بعد أن تحولت مأساة عبير إلى قضية رأى عام، وساد الغضب مواقع التواصل الاجتماعى، وكشفت شهادات أهلها وزملائها أن المستشفى رفض علاجها إلا بعد دفع رسوم. هذا التصريح المتأخر يكشف عن غياب إرادة سياسية لتفعيل القرار قبل الكارثة، والاكتفاء بإطلاقه إعلاميًا لتسكين الغضب.
الواقع أن معظم المستشفيات العامة ذات الطابع الاستثمارى ترفض استقبال المرضى إلا بعد دفع الرسوم المقررة حتى فى أقسام الطوارئ، وقد تكون الرسوم باهظة لا يقدر عليها المواطن البسيط. وتكرر هذا المشهد مئات المرات دون ضجة، إلى أن جاءت قضية رأى عام لتكشف المستور وتفجر الغضب الكامن فى نفوس المواطنين تجاه المنظومة الصحية بأكملها.
القضية ليست فى إصدار القوانين، بل فى تطبيقها الفعلى، والرقابة على التنفيذ، ومعاقبة المستشفيات المخالفة. لا يكفى أن يصرّح الوزير، بل يجب إصدار منشور دورى مُلزم للمستشفيات كافة بتنفيذ القرار، وتخصيص خط ساخن فورى لتلقى شكاوى حالات الطوارئ، كما يجب معاقبة إدارات المستشفيات التى ترفض استقبال الحالات الحرجة، والإعلان عن أسماء هذه المستشفيات والعقوبات، ونشر تقارير دورية عن مدى الالتزام بالقرار ومدى تجاوب المستشفيات.
قرار محلب رقم 1063 ليس مجرد ورقة وضعت الأدراج، بل قانون حياة يجب أن يُطبّق لإنقاذ المواطنين دون تمييز، قبل أن نتحوّل إلى مجتمع لا مكان فيه للضعفاء والفقراء. وفاة عبير الأباصيرى ليست أول حادثة، لكنها يجب أن تكون الأخيرة.. مطلوب إرادة حقيقية لاحترام الإنسان وحقه فى العلاج. فهل نرى تغييرًا فعليًا؟ أم ننتظر الكارثة القادمة؟