الأزهر للفتوى: سورة الأنعام شيّعتها الملائكة.. وتحمل دستورًا عقديًا
قدّم مركز الأزهر الإلكتروني للفتوى قراءة علمية ووافية حول سورة الأنعام، باعتبارها واحدة من السور القرآنية التي شكلت الوجدان العقدي للمسلمين، ورسخت منهجًا ربانيًا فريدًا في الحوار، وإقامة البراهين، ودحض الشبهات، وترسيخ الإيمان.
وتبرز السورة بما تحمله من قضايا كبرى ومعانٍ راسخة باعتبارها "دستورًا عقديًا" عالج جذور الانحراف الفكري، وقدّم حججًا ناصعة للعقول، وأضاء طريق الهداية للبشرية.
سورة اهتزّ لها الأفق
تأتي سورة الأنعام ضمن السبع الطوال، وهي السورة رقم (55) في ترتيب النزول، نزلت بعد الحجر وقبل الصافات، وتضم 165 آية.
وقد جاء اسمها مرتبطًا بواقع البيئة العربية؛ حيث كانت الأنعام من أهم ثرواتهم وموردًا رئيسيًا لمعيشتهم.
ونزلت السورة جملة واحدة ردًا على المشركين الذين أنكروا البعث وطعنوا في نزول القرآن، فقالوا مستنكرين:{لولا نُزِّل عليه القرآن جملة واحدة} [الفرقان: 32]
وقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ لما نزلت السورة، سبّح الله وقال:"لقد شيّع هذه السورة من الملائكة ما سدّ الأفق" في دلالة على عظمتها ومكانتها.
قلب السورة وروحها
تميزت سورة الأنعام بطابع خاص؛ إذ خلت من القصص المطول، واقتصر فيها ذكر الأنبياء على حوارين فقط لسيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه.
وركزت السورة على:
توحيد الله وبيان صفاته
الرد على المشركين بالعقل والبرهان
عرض مظاهر القدرة الإلهية
تقويم منهج النظر والتفكير
وافتتحت السورة بحمد الله والثناء عليه، وبيان وحدانيته ومظاهر خلقه في السماوات والأرض، في تقريع واضح للكافرين الذين عدلوا عن عبادة الخالق إلى عبادة المخلوقات.
نموذج رباني في المناظرة
قدّمت السورة منهجًا ساميًا في أدب الحوار والعقلانية من خلال قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه وعبدة الكواكب؛ حيث أثار تفكيرهم، وحرك أذهانهم نحو التأمل في الكون لمعرفة خالقه سبحانه، ويعد هذا النموذج واحدًا من أبرز ما يُدرّس في منهج الدعوة والحوار في الإسلام حتى اليوم.
أسلوب استفهامي
اعتمدت السورة على الأسلوب الاستفهامي المحفز للذهن، الذي يُشعل التفكير ويدفع القارئ للبحث عن إجابة، ثم تأتي الآيات موضحة ومؤكدة بالحجج العقلية والبراهين القاطعة.
كما قررت السورة أن الذين يستكبرون عن سماع الحق لا تكفيهم المعجزات، وأن الإيمان يتطلب قلبًا مفتوحًا وعقلًا متدبرًا.
دلائل إحاطة كاملة وقدرة مطلقة
تعددت في السورة دلائل القدرة الإلهية، ومنها:
فلق الإصباح
تقليب الليل والنهار
خلق البر والبحر
تعاقب الراحة والعمل
إحياء الموتى وبعثهم
وقد أبرزت الآيات طبيعة الكون الثنائية في كل شيء: ليل ونهار، بر وبحر، حياة وموت، للدلالة على إحكام الخلق ودقة النظام.
"قُل" 44 مرة
وردت كلمة "قل" في سورة الأنعام 44 مرة، في إشارة واضحة إلى عناية الله بنبيه ﷺ، وتوجيهه المباشر له في مواجهة الشبهات، وإقامة الحجة على المشركين، ومن ذلك قوله تعالى:{قل مَن يُنَجِّيكُم من ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 63]
وخلاصة المحرمات
قدمت السورة فهمًا دقيقًا للمحرمات، مؤكدة قاعدة شرعية جليلة:
"الأصل في الأشياء الإباحة"
ما لم يأتِ نص يحرّمها.
وقد ذكرت من المحرمات:
الميتة
الدم المسفوح
لحم الخنزير
كما رسمت السورة ملامح الأخلاق الرفيعة، مثل:
الإحسان إلى الوالدين
اجتناب الفواحش
قول الحق
العدل بين الناس
إعلان منهج الحياة
اختُتمت السورة بإعلان شامل لمنهج الهداية، في آيات تُعد من أعمق ما ورد في القرآن حول معنى الإيمان:{قل إنني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيم...}{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}{لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 161 – 163]، وهي آيات تختصر الطريق:منهج الإسلام هو حياة كاملة، لا لحظة عابرة ولا عبادة موسمية.







