عبادة اتباع الجنائز.. لماذا يُمنع الفرح في مراسم التشييع؟
يحظى اتباع الجنائز بمكانة رفيعة في الشريعة الإسلامية؛ فقد حثَّ رسول الله ﷺ على المشاركة فيها وأخبر بعظيم أجرها، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي ﷺ:«مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا... رَجَعَ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ».
وأكّد النبي ﷺ أن اتباع الجنازة هو من حقوق المسلم على المسلم، كما جاء في حديث الشيخين:«حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ... واتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ».هذه النصوص تظهر أن المشاركة في تشييع الميت ليست مجرد حضور اجتماعي، بل عبادة تُظهر التراحم بين المسلمين وتُكسب صاحبها أجرًا عظيمًا.
هدي النبي ﷺ والصحابة في السير مع الجنازة
بيّنت دار الإفتاء المصرية أن الأصل في الجنازة هو السكينة والتأمل، وأن السلف الصالح كانوا يتعاملون مع هذا المشهد باعتباره مقام عظة واعتبار.
فكان النبي ﷺ وصحابته يلتزمون الصمت والذكر داخل النفس، والتفكُّر في مصير الميت، دون ضجيج أو مظاهر تَشغَل القلب عن الهدف الروحاني لهذا الموقف.
وقد روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:«لا تُتْبَعُ الجنازةُ بصوتٍ ولا نار».
كما ورد عن الصحابة أنهم كانوا يكرهون رفع الصوت في ثلاثة مواقف: عند القتال، وفي الجنائز، وفي الذكر.
آراء الفقهاء الأربعة: كراهة رفع الصوت والفرح والزغاريد
اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الصمت والخشوع هما الأدب الشرعي في الجنازة، وأن رفع الصوت فيها مكروه كراهة تحريم عند كثير منهم.
من أقوال العلماء:
ابن نجيم الحنفي: رفع الصوت بالذكر أو القرآن أثناء الجنازة مكروه كراهة تحريم.
الخرشي المالكي: الزغاريد أو مظاهر الفرح عند الجنائز بدعة يجب النهي عنها.
الخطيب الشربيني الشافعي: السلف كانوا يلتزمون السكوت، ولا يُرفع صوت بقراءة أو ذكر.
ابن قدامة الحنبلي: يُستحب الخشوع، ويُكره الحديث الدنيوي أو الضحك.
البهوتي الحنبلي: حتى الذكر والقراءة يُستحب أن تكون سرًّا، والصوت المرتفع محدث ومرفوض.
وتؤكد هذه الآراء أن أي مظاهر احتفالية – سواء كانت ضحكًا أو تهليلاً بصوت مرتفع أو زغاريد – مخالفة للمقام ومنافِية لمعنى الموت الذي وصفه الله بأنه مصيبة في قوله تعالى:
﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾.
لماذا يمتنع المسلم عن الفرح والضحك في الجنازة؟
توضح دار الإفتاء أن الامتناع عن الضحك والابتهاج في الجنازة ليس تشددًا، بل هو أدب مع الميت واحترام لمقام الموت.
فالهدف من الجنازة ليس الظهور الاجتماعي، بل تذكير الإنسان بحقيقة النهاية، وإيقاظ القلب من الغفلة.
المظاهر الدنيوية في هذا الموضع تُفقد الجنازة معناها الروحاني، وتُحوّلها إلى مشهد غير لائق ولا يتفق مع تعاليم الإسلام ولا مع الذوق العام.