حديث جامع يؤسس لأمة تبني حضارة.. يوضحه علي جمعة
في خطبة جمعة سابقة لفضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، بعنوان "شعب الإيمان"، وضح فيها الأسس الكبرى التي يقوم عليها بناء الإنسان المسلم، وما تحمله هذه الشُعب من معانٍ ترتقي بالنفس وتعمّر الكون وتهدي الإنسانية.
واستهل الدكتور علي جمعة حديثه بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس، والحياء شعبة من شعب الإيمان».
وأشار خلال صفحته الرسمية حيث أعاد تناول الخطبة إلى أن هذه الكلمات النبوية الموجزة صنعت جيلًا كاملًا حمل رسالة الإسلام، وبنى حضارة تشعّ نورًا وعدلًا.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلّم الأمة عبادة الله فحسب، بل كان يؤسس أمة تُعمّر الأرض، وتزكّي النفوس، وتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربها.
تشعّب النفس البشرية وتشعّب الإيمان:
وأكد فضيلته أن تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم للإيمان بأنه "بضع وسبعون شعبة" هو تشبيه بليغ يتناسب مع طبيعة النفس البشرية، التي تتشعّب سلوكًا وصفات، وتحتاج بناءً متدرجًا ومتراكبًا من الطاعات والقيم.
وبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لهذه الشعب أعلى وهو كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وأدنى وهو عمل بسيط لكنه عظيم في ميزان الله: إماطة الأذى عن طريق الناس. وبينهما تتوزع كل أعمال الخير والطاعات التي تزكي القلب وتصلح السلوك.
وأوضح الدكتور علي جمعة أن هذا الحديث يشير ضمنًا إلى أن الكفر أيضًا له شعب:
– أعلاها ما يناقض كلمة التوحيد،
– وأدناها ما يناقض الأخلاق، كمن يضع الأذى في طريق الناس.
فكل طاعة هي من شعب الإيمان، وكل معصية هي من شعب الكفر، وعلى الإنسان أن يزكّي نفسه بالطاعات ويتجنب المعاصي.
الحياء.. خُلق يجمع بين القلب والعمل:
وتوقف فضيلته عند خُلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم شعبة من شعب الإيمان، مستشهدًا بقوله:
«مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت».
وأوضح أن الحياء ليس مجرد شعور، بل هو ضابط أخلاقي كبير يوجّه السلوك الداخلي والخارجي، ويمنع النفس من السقوط في المعاصي أو الظلم أو الفجور.
وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم يرسم لنا في هذا الحديث دائرة متكاملة:
– بدايتها التوحيد،
– ونهايتها العمل الصالح،
– وما بينهما يتكون بناء الإيمان بكل شعبه الباطنة والظاهرة.
ربط العقيدة بالعمل.. الطريق إلى تزكية النفس:
وأكد الدكتور علي جمعة أن الإسلام لا يقف عند حد الإيمان القلبي، بل يصل العقيدة بالعمل، والإحسان بالسلوك، والعبادة بعمارة الكون. فالمسلم الحق يوازن بين الإيمان بالغيب والطاعة في الأرض، وبين الاستقامة الداخلية والخير الخارجي.
واختتم خطبته بالدعاء أن يجعل الله الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله حق الإيمان وتتوكّل عليه، كما كان السلف الصالح.



